الدخول في فم الحيّة فلم لم يقدر على أن يجعل نفسه حيّة ثم يدخل الجنّة؟ ولأن الحية لو فعلت ذلك ، فلم عوقبت مع أنها ليست بعاقلة ولا مكلفة؟ وأيضا فلما خرج من بطنها صارت في الجنة كانت الملائكة والخزنة يرونه.
وثانيها : أن «إبليس» دخل الجنّة في صورة دابّة ، وهذا القول أقلّ فسادا من الأول.
وثالثها : قال بعض أهل الأصول : لعلّ آدم وحوّاء ـ عليهماالسلام ـ كانا يخرجان إلى باب الجنة ، وإبليس كان بقرب الماء يوسوس لهما.
ورابعها : قال الحسن : كان إبليس في الأرض ، وأوصل الوسوسة إليهما في الجنّة.
قال بعضهم : هذا بعيد ؛ لأن الوسوسة كلام خفيّ ، والكلام الخفي لا يمكن إيصاله من الأرض إلى السّماء.
واختلفوا في أن «إبليس» باشر خطابهما ، أو أوصل الوسوسة إليهما على لسان بعض أتباعه.
حجّة الأول : قوله تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف : ٢١] وذلك يقتضي المشافهة ، وكذا قوله : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) [الأعراف : ٢٢].
وحجّة الثاني : أن آدم وحواء ـ عليهما الصّلاة والسّلام ـ كان يعرفانه ، ويعرفان ما عنده من العداوة والحسد ، فيستحيل في العادة أن يقبلا قوله ، فلا بد وأن يكون المباشر للوسوسة بعض أتباع إبليس.
وقد يجاب عن هذا بأن إبليس لما خالف أمر ربّه ولعن لعلّه انتقل من تلك الصورة التي يعرف بها إلى صورة أخرى ، ولعلّ إبليس تشكّل لهما في صورة لا يعرفانها ، فإن له قدرة التشكل ، والله أعلم.
فصل في بيان أن آدم عصى ربه ناسيا
اختلفوا في صدور ذلك الفعل عن آدم ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بعد النبوة ، هل فعله ناسيا أو ذاكرا؟
قال طائفة من المتكلّمين : فعله ناسبا ، واحتجوا بقوله تعالى : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥] ومثلوه بالصّائم إذا أكل ناسيا ، وهذا باطل من وجهين :
الأول : قوله تعالى : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) [الأعراف : ٢٠].
وقوله : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) يدلّ على أنه ما نسي النهي حال الإقدام.
الثاني : أنه لو كان ناسيا لما عوتب على ذلك الفعل.
أما من حيث العقل فلأن الناسي غير قادر على الفعل فلا يكون مكلفا به لقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦].