في صورة العلم ، وهو أنه ـ تعالى ـ لما علم منه أنه لا يؤمن ، فكان صدور الإيمان منه يستلزم انقلاب علم الله جهلا ، وذلك محال ، ويستلزم من المحال محال ، فالأمر واقع بالمحال. ونذكر هذا على وجه ثالث : وهو أن وجود الإيمان يستحيل أن يوجد مع العلم بأنه لا يؤمن ؛ لأنه إنما يكون علما لو كان مطابقا للمعلوم ، والعلم بعدم الإيمان يلزم أن يجتمع في الإيمان كونه موجودا ومعدوما معا ، وهذا محال ، والأمر بالإيمان مع وجود علم الله بعدم الإيمان أمر بالجمع بين الضّدّين ، بل أمر بالجمع بين العدم والوجود ، وكل ذلك محال.
ونذكر هذا على وجه رابع : وهو أنه ـ تعالى ـ كلف هؤلاء الذين أخبر عنهم بأنهم لا يؤمنون البتة [والإيمان يعتبر فيه تصديق الله ـ تعالى ـ في كل ما أخبر عنه أنهم لا يؤمنون قط](١) وقد صاروا مكلفين بأن يؤمنوا بأنهم لا يؤمنون قط ، وهو مكلّف بالجمع بين النفي والإثبات.
ونذكر هذا على وجه خامس : وهو أنه ـ تعالى ـ عاب الكفّار على أنهم حاولوا فعل شيء على خلاف ما أخبر الله عنه في قوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) [الفتح : ١٥] ، فثبت أن القصد إلى تكوين ما أخبر الله عن عدم تكوينه قصد لتبديل كلام الله ، وذلك منهي عنه.
ثم ها هنا أخبر الله ـ تعالى ـ عنهم أنهم لا يؤمنون ألبتة ، فمحاولة الإيمان منهم تكون قصدا إلى تبديل كلام الله ، وذلك منهي عنه وترك محاولة الإيمان يكون ـ أيضا ـ مخالفة لأمر الله ، فيكون الذم حاصلا على الترك والفعل. فهذه هي الوجوه المذكورة في هذا الموضع وهي هادمة لأصول الاعتزال ، وكل ما استدلّ به المعتزلة من الآيات الواردة ، فيأتي الجواب عنها عند ذكر كل آية منها إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٧)
اعلم أنه ـ تعالى ـ لما بيّن في الآية الأولى أنّهم لا يؤمنون أخبر في هذه الآية السّبب الذي لأجله لم يؤمنوا وهو الختم.
واعلم أن الختم والكتم أخوان وهو : الاشتياق بالشّيء بضرب الخاتم عليه كتما له وتغطية ؛ لئلا يتوصّل إليه ، ومنه : الختم على الباب.
«على قلوبهم» متعلّقة ب «ختم» ، و «على سمعهم» يحتمل عطفه على «قلوبهم» ، وهو الظاهر ، للتصريح بذلك ، أعني : نسبة الختم إلى السمع في قوله تعالى : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ) [الجاثية : ٢٣] ويحتمل أن يكون خبرا مقدما ، وما بعده عطف عليه.
__________________
(١) سقط في ب.