أثناء سلطنة الظاهر برقوق الثانية ، فأسقطها سنة ٧٩٣ ه وخربها ، وقتل أهلها.
ولم يقف الظاهر برقوق مكتوف الأيدي ، فقد أعد العدة ، ولما جاءه رسل تيمور لنك بالتهديد والوعيد قتلهم ، وعقد اتفاقيات بينه وبين التركمان وبني عثمان لصد الزحف التيموري ، وعين برقوق نائبه أحمد بن أويس على بغداد في أثناء غياب تيمور وذهابه إلى الهند ، ولكن برقوقا يموت بعد فترة ، ويزحف التتار مرة أخرى ، فيهرب ابن أويس ، ويتصدى السلطان فرج بن برقوق لتيمور الذي يوقع به وبجيشه المماليكي ويهزمه ، ويستولي تبعا لذلك على أطراف الشام.
ثم يدخل تيمور دمشق فينتهبها ، ويجمع ما شاء من ثرواتها ثم يخرج منها بعد ثلاثة أشهر ، ولكن لم يلبث أن يموت تيمور لنك ، وتتعرض دولته للزوال بسبب النزاع بين ورثته ، مما يؤدي إلى أن تخف حدة الخطر التتري على دولة المماليك بمصر والشام (١).
الخلافة العباسية ودولة المماليك :
عاشت الخلافة العباسية ردحا من الزمن تتمتع بالقوة والسيطرة على بقاع العالم الإسلامي ، إلا أنها ـ كأي دولة ـ لا بد لها من شيخوخة وفترة ضعف تأتي عليها ، وذلك بسبب عقارب الفتن ، وانقسام الدويلات الصغيرة عنها ، مما أدى إلى تحطمها ـ عمليا ـ على صخرة التتار الجلمودية في حادث بغداد الشهير سنة ٦٥٦ ه.
ولم تقم للخلافة قائمة بعد ذلك إلا في زمن الظاهر بيبرس الذي أحيا الخلافة مرة ثانية بعد موات ، وذلك سنة ٦٥٩ ه حيث أقام الأمير العباس أحمد ابن الظاهر ابن الناصر العباسي خليفة للمسلمين ، وجعل مقره القطر المصري ، ولقب الخليفة الجديد ب «المستنصر بالله».
ولكن الأمر في حقيقته لم يتجاوز الصورية فقط ، فلم يكن الخليفة العباسي إلا وسيلة لذر الرماد في عيون الطامعين ، ورد كيد الطامحين في ملك مصر ، والذين كانوا يطعنون في شرعية حكم المماليك.
وهكذا فقد ظل الخليفة العباسي منذ إحياء الخلافة العباسية بمصر سنة ٦٥٩ ه وخلافته ليس فيها أمر ولا نهي وحسبه أن يقال له أمير المؤمنين (٢).
وبالجملة فقد «كان عمر دولة المماليك الجراكسة مائة وأربعة وثلاثين عاما ، تعاقب فيها على دست السلطنة خمسة وعشرون سلطانا. ومن هؤلاء السلاطين تسعة حكموا مائة وثلاث سنوات ، في حين حكم الستة عشر سلطانا الباقون نحوا من تسع سنوات فقط ، أما هؤلاء السلاطين التسعة الذين يرتبط بهم تاريخ دولة المماليك الجراكسة فهم : برقوق ، وفرج ،
__________________
(١) ينظر : العصر المماليكي في مصر والشام ص ١٦٤ ـ ١٦٧.
(٢) ينظر : د. سعيد عبد الفتاح عاشور : المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك ص ١٥٥.