وقرأ ابن محيصن (١) بهمزة واحدة على لفظ الخبر ، وهمزة الاستفهام مرادة ، ولكن حذفها تخفيفا ، وفي الكلام ما يدلّ عليها ، وهو قوله : «أم لم» ؛ لأن «أم» تعادل الهمزة ، وللقراء في مثل هذه الآية تفصيل كثير.
فصل في المراد بالكافرين في الآية
المراد من (الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى مشركي العرب كأبي لهب ؛ وأبي جهل ، والوليد بن المغيرة وأضرابهم.
وقال الكلبي : «هم رؤساء اليهود والمعاندون» وهو قول ابن عباس. والكفر ـ هنا ـ الجحود ، وهو على أربعة أضرب :
كفر إنكار ، وكفر جحود ، وكفر عناد ، وكفر نفاق :
ف «كفر الإنكار» : هو ألا يعرف الله أصلا ، ولا يعترف به.
وكفر الجحود : هو أن يعرف الله بقلبه ، ولا يقر بلسانه ، ككفر إبليس ؛ قال تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة : ٨٩].
وكفر العناد : هو أن يعرف الله بقلبه ، ويعترف بلسانه ، ولا يدين به ؛ ككفر أبي طالب ؛ حيث يقول : [الكامل]
١٥٧ ـ ولقد علمت بأنّ دين محمّد |
|
من خير أديان البريّة دينا |
لو لا الملامة أو حذار مسبّة |
|
لوجدتني سمحا بذاك مبينا (٢) |
وكفر النفاق : هو أن يقر باللسان ، ولا يعتقد بالقلب ، وجميع هذه الأنواع سواء في أن من لقي الله ـ تعالى ـ بواحد منها ؛ لا يغفر له.
فصل في تحقيق حد الكفر
قال ابن الخطيب : تحقيق القول في حد الكفر أن كل ما نقل عن محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه ذهب إليه ، وقال به ، فإما أن يعرف صحة ذلك النقل بالضرورة ، أو بالاستدلال ، أو بخبر (٣) الواحد أما الذي علم بالضرورة ، فمن صدق به جميعه ، فهو
__________________
(١) وكذا قرأ بها الزهري وابن كثير.
انظر البحر المحيط : ١ / ١٧٥ ، وحجة القراءات : ٨٦ ، وإتحاف : ١ / ٣٧٦.
(٢) ينظر البيتان في : خزانة الأدب : ٢ / ٧٦ ، ٩ / ٣٩٧ ، ولسان العرب (كفر) ، والمقاصد النحوية : ٤ / ٨ ، وشرح التصريح : ٢ / ٩٦ ، وشرح شواهد المغني : ٢ / ٦٨٧ ، وشرح قطر الندى : ص ٢٤٢ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٣٧٦.
(٣) وإليك بيان معنى خبر الواحد : وهو في الاصطلاح : ما لم يبلغ مبلغ التواتر ، فيصدق على المشهور والعزيز ، والغريب. ـ