٣٩٠ ـ هي الضّلع العوجاء لست تقيمها |
|
ألا إنّ تقويم الضّلوع انكسارها |
أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى |
|
أليس عجيبا ضعفها واقتدارها (١) |
فصل في بيان خلافهم في الجنة المقصودة
اختلفوا في هذه الجنة هل كانت في الأرض أو في السماء؟ وبتقدير أنها كانت في السّماء ، فهل هي دار ثواب أو جنّة الخلد؟
فقال أبو القاسم البلخيّ ، وأبو مسلم الأصفهاني : هذه الجنة كانت في الأرض وحملا الإهباط على الانتقال من بقعة إلى بقعة كما في قوله : (اهْبِطُوا مِصْراً) [البقرة : ٦١] واحتجّا عليه بوجوه :
أحدها : أن هذه الجنة لو كانت هي دار الثواب لكانت جنة الخلد ، ولو كان آدم في جنة الخلد لما لحقه الغرور من «إبليس» ، ولما صحّ قوله : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) [الأعراف : ٢٠].
وثانيها : أن من دخل هذه الجنّة لا يخرج منها لقوله تعالى : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) [الحجر : ٤٨].
وثالثها : أن إبليس لما امتنع عن السجود لعن فما كان يقدر مع غضب الله أن يصل إلى جنة الخلد.
ورابعها : أن جنة الخلد لا يفنى نعيمها لقوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) إلى أن قال : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود : ١٠٨] أي : غير مقطوع.
وخامسها : لا نزاع في أن الله ـ تعالى ـ خلق آدم في الأرض ، ولم يذكر في هذه القصّة أنه نقله إلى السماء ، ولو كان ـ تعالى ـ قد نقله إلى السّماء لكان أولى بالذكر ؛ لأن نقله من الأرض إلى السماء من أعظم النعم ، فدلّ على أن ذلك لم يحصل ، وذلك يوجب أن هذه الجنّة غير جنّة الخلد.
وقال «الجبّائي» : أن تلك الجنّة كانت في السّماء السّابعة ، والدليل عليه قوله : (اهْبِطُوا مِنْها) ، ثم إنّ الاهباط الأول كان من السّماء السّابعة إلى السماء الأولى ، والإهباط الثاني كان من السماء إلى الأرض.
وقال أكثر العلماء : إنها دار الثواب ؛ لأنّ الألف واللام في لفظ الجنّة لا يفيدان العموم ؛ لأن سكون جميع الجنان محال ، فلا بد من صرفها إلى المعهود السّابق ، وجنّة الخلد هي المعهودة بين المسلمين ، فوجب صرف اللفظ إليها.
__________________
(١) ينظر البيتان في القرطبي : ١ / ٢٠٨ ، والبيت الأول في اللسان (ضلع).