٣١] ، وأكثر لغة «الحجاز» زيادة الباء في خبرها ، حتى زعم بعضهم أنه لم يحفظ النصب في غير القرآن ، إلّا قول الشاعر : [الكامل]
١٨١ ـ وأنا النّذير بحرّة مسودّة |
|
تصل الجيوش إليكم أقوادها |
أبناؤها متكنّفون أباهم |
|
حنقو الصّدور وما هم أولادها (١) |
وأتى بالضمير في قوله : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) جمعا اعتبارا للمعنى كما تقدّم في قوله : «آمنا». فإن قيل : لم أتي بخبر «ما» اسم فاعل غير مقيّد بزمان ، ولم يؤت بعدها بجملة فعلية حتى يطابق قولهم : «آمنّا» : فيقال : وما آمنوا؟
فالجواب : أنه عدل عن ذلك ليفيد أن الإيمان منتف عنهم في جميع الأوقات ، فلو أتى به مطابقا لقولهم : «آمنا» فقال : وما آمنوا لكان يكون نفيا للإيمان في الزمن الماضي فقط ، والمراد النّفي مطلقا أي : أنهم ليسوا ملتبسين بشيء من الإيمان في وقت من الأوقات.
فصل في سبب نزول الآية
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ إنما نزلت في منافقي أهل الكتاب ، كعبد الله بن أبي ابن سلول ومعتب بن قشير ، وجدّ بن قيس وأصحابهم ، كانوا إذا لقوا المؤمنين يظهرون الإيمان والتصديق ، ويقولون : إنا لنجد نعته وصفته في كتابنا ، ولم يكونوا كذلك إذا خلا بعضهم إلى بعض.
فصل في حقيقة النفاق
قال ابن الخطيب (٢) : الكلام في حقيقة النفاق لا يتخلّص إلا بتقسيم ، وهو أنّ أحوال القلب أربعة :
وهي أن تعتقد مستندا لدليل وهو العلم ، أو تعتقد لا عن دليل لكن تقليد ، أو تعتقد لا عن دليل ولا تقليد وهو الجهل ، أو يكون حال القلب عن هذه الأحوال كلها.
وأما أحوال اللسان فثلاثة : الإقرار ، والإنكار ، والسكوت.
فأما الأول : وهو أن يحصل العرفان القلبي ، فإما أن ينضم إليه الإقرار باللسان ، فإن كان الإقرار اختياريا ، فصاحبه مؤمن حقّا بالاتفاق.
وإن كان اضطراريّا فهذا يجب أن يعد منافقا ؛ لأنه بقلبه منكر مكذب لموجب الإقرار.
__________________
(١) البيتان لعديّ بن الرقاع. ينظر شرح ابن عقيل : ١ / ٣٠٢ ، البحر المحيط : ١ / ١٨٣ ، الدر : ١ / ١١٣.
(٢) ينظر الرازي : ٢ / ٥٣.