الشّياطين يحومون على قلوب بني آدم ، لنظروا إلى ملكوت السّموات» (١).
وقال الغزاليّ (٢) ـ رحمهالله ـ في كتاب الإحياء : القلب مثل قبّة لها أبواب تنصب إليها الأحوال من كلّ باب ، ومثل هدف ترمى إليه السّهام من كلّ جانب ، ومثل مرآة منصوبة تجتاز عليها الأشخاص ؛ فتتراءى فيها صورة بعد صورة ، ومثل حوض تنصبّ إليه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة.
قال ابن الخطيب (٣) ـ رحمة الله تعالى ـ : لقائل أن يقول : لم لم يقل : أعوذ بالملائكة مع أنّ أدون ملك من الملائكة يكفي في دفع الشّيطان؟ فما السبب في أن جعل ذكر هذا الكلب في مقابلة ذكر الله تعالى؟
وجوابه : كأنّه تعالى يقول : عبدي إنّه يراك ، وأنت لا تراه ؛ لقوله تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف : ٢٧] ؛ فإنه يفيد كيده فيكم ؛ لأنّه يراكم ، وأنتم لا ترونه ؛ فتمسّكوا بمن يرى الشيطان ولا يراه ؛ وهو الله تعالى فقيل : «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم».
فصل في وجود الجنّ
اختلف النّاس في وجود الجنّ والشياطين ، [فمن النّاس من أنكر الجنّ والشياطين](٤). واعلم أنّه لا بدّ أوّلا من البحث عن ماهيّة الجنّ والشياطين ؛ فنقول : أطبق الكلّ على أنّه ليس الجنّ والشياطين عبارة عن أشخاص جسمانية كثيفة ، تجيء وتذهب ؛ مثل النّاس والبهائم ؛ بل القول المحصّل فيه قولان :
الأوّل : أنها أجسام هوائيّة قادرة على التّشكّل بأشكال مختلفة ، ولها عقول وأفهام ، وقدرة على أعمال صعبة شاقّة.
والقول الثّاني : أنّ كثيرا من النّاس أثبتوا أنّها موجودات (٥) غير متحيّزة ، ولا حالّة في
__________________
ـ المسند : (٣ / ١٥٦ ، ٢٨٥) ـ والدارمي في السنن : (٢ / ٣٢٠). وذكره ابن كثير في التفسير : ٨ / ٥٥٨ ، والزبيدي في «إتحاف السادة المتقين» : ٥ / ٣٠٥ ، ٦ ، ٤ / ٢٧٣ ، ٧ / ٢٦٩ ، ٢٨٣ ، ٤٢٩.
(١) ذكره العراقي في «المغني عن حمل الأسفار» : (١ / ٢٣٣ ، ٢٨٥) ، (٣ / ٨) ـ والزبيدي في «إتحاف السادة المتقين» : (٤ / ١٩٥) ، (٧ / ٢٣٤) ، (٩ / ٦٩).
(٢) محمد بن محمد بن محمد ، حجة الإسلام ، أبو حامد الغزالي ، ولد سنة ٤٥٠ ه ، أخذ عن الإمام الجويني ، ولازمه ، حتى صار أنظر أهل زمانه ، وجلس للإقراء في حياة إمامه وصنف : «الإحياء» المشهور ، و «البسيط» ، وهو كالمختصر للنهاية ، وله «الوجيز» ، و «المستصفى» وغيرها. توفي سنة ٥٠٥ ه.
انظر ط. ابن قاضي شهبة : ١ / ٢٩٣ ، ووفيات الأعيان : ٣ / ٣٥٣ ، والأعلام : ٧ / ٢٤٧ ، واللباب : ٢ / ١٧٠ ، وشذرات الذهب : ٤ / ١٠ ، والنجوم الزاهرة : ٥ / ٢٠٣ ، والعبر : ٤ / ١٠.
(٣) ينظر : الفخر الرازي : ١ / ٨٤.
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : موجودة.