لما تقدم ، ولكنها جزء كلام على القول الأول ، وكلام مستقل على القول الثاني ، وأجاز الزمخشري وأبو البقاء أن تكون معطوفة على «يكذبون» الواقع خبرا ل «كانوا» ، فيكون محلّها النصب.
وردّ بعضهم عليهما بأن هذا الذي أجازاه على أحد وجهي «ما» من قوله : (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) خطأ ، وهو : أن تكون موصولة بمعنى «الذي» ، إذ لا عائد فيها يعود على «ما» الموصولة ، وكذلك إذا جعلت مصدرية ، فإنها تفتقر إلى العائد عند الأخفش ، وابن السراج. والجواب عن هذا أنهما لا يجيزان ذلك ألا وهما يعتقدان «ما» موصولة حرفية.
وأما مذهب الأخفش وابن السراج فلا يلزمهما القول به ، ولكنه يشكل على أبي البقاء وحده ، فإنه يستضعف كون «ما» مصدرية كما تقدم.
فصل في أوجه ورود لفظ الفساد
ورد لفظ «الفساد» على ثلاثة أوجه :
الأول : بمعنى العصيان كهذه الآية.
الثاني : بمعنى الهلاك قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] أي : أهلكتا.
الثالث : بمعنى السحر قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس : ٨١].
فصل في بيان من القائل
منهم من قال : إن ذلك القائل هو الله تعالى ، ومنهم من قال : هو الرسول ، ومنهم من قال : بعض المؤمنين ، وكل ذلك محتمل.
والأقرب أن ذلك القائل كان مشافها لهم بذلك الكلام ، فإما أن يكون الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بلغه عنهم النفاق ، ولم يقطع بذلك ، فنصحهم فأجابوا بما يحقّ إيمانهم ، وأنهم في الصّلاح بمنزلة سائر المؤمنين ، وإما أن يكون بعض من يلقون إليه الفساد كان لا يقبله منهم ، وكان ينقلب واعظا لهم قائلا لهم : (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) [البقرة : ٧٤] فإن قيل : إنما كانوا يخبرون الرّسول بذلك؟
قلنا : نعم ، كانوا إذا عوقبوا عادوا إلى إظهار الإسلام ، وكذبوا النّاقلين عنهم ، وحلفوا بالله عليه كما قال ـ تعالى ـ عنهم : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) [التوبة : ٧٤]. وقيل هذا الكلام لليهود.
و «الفساد» خروج الشيء عن كونه منتفعا به ، ونقيضه الصلاح.
واختلفوا في ذلك الفساد فقال ابن عباس والحسن وقتادة والسّدي : الفساد في الأرض إظهار معصية الله تعالى.
قال القفّال ـ رحمهالله ـ : وتقريره أن الشرائع سنن موضوعة بين العباد ، فإذا