تشتدّ حيرته ، وتعظم الظّلمة في عينيه أكثر من الذي لم يزل في الظلمة ، فشبّه المنافقين في حيرتهم وجهلهم بالدّين بهؤلاء الذين وصفهم ، إذا كانوا لا يرون طريقا ، ولا يهتدون.
وثانيها : أن المطر وإن كان نافعا إلّا أنه لما وجد في هذه الصّورة مع هذه الأحوال الضّارة صار النفع به زائلا ، فكذا إظهار الإيمان نافع للمنافقين لو وافقه الباطن ، فإذا فقد منه الإخلاص ، وحصل معه النفاق كان ضررا في الدّين.
وثالثها : أن من هذا حاله ، فقد بلغ النهاية في الحيرة لاجتماع أنواع الظلمات ، وحصول أنواع المخافة ، فحصلت في المنافقين نهاية الحيرة في الدين ، ونهاية الخوف في الدنيا ؛ لأنّ المنافق يتصور في كل وقت أنه لو حصل الوقوف على باطنه لقتل ، فلا يزال الخوف في قلبه مع النفاق.
ورابعها : المراد من الصّيّب هو الإيمان والقرآن ، والظلمات والرعد والبرق هي الأشياء الشّاقة على المنافقين من التكاليف كالصّلاة والصوم وترك الرّياسات ، والجهاد مع الآباء والأمّهات ، وترك الأديان القديمة ، والانقياد لمحمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ مع شدّة استنكافهم عن الانقياد ، فكأنّ الإنسان يبالغ في الاحتراز عن المطر الصّيّب (١) الذي [هو](٢) أشدّ الأشياء نفعا بسبب هذه الأمور المقارنة ، كذلك هؤلاء. والمراد من قوله : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) أنّه متى حصل لهم شيء من المنافع ، وهي عصمة أموالهم ودمائهم ، وحصول الغنائم ، فإنهم يرغبون في الدّين.
قوله : (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) أي متى لم يجدوا شيئا من تلك المنافع ، فحينئذ يكرهون الإيمان ، ولا يرغبون فيه.
فصل في «أو»
في «أو» خمسة أقوال :
أظهرها : أنها للتفصيل بمعنى : أنّ الناظرين في حال هؤلاء منهم من يشبههم بحال المستوقد ، ومنهم من يشبههم بأصحاب (٣) صيّب هذه صفته.
قال ابن الخطيب : «والثاني أبلغ ؛ لأنه أدلّ على فرط الحيرة».
والثاني : أنها للإبهام ، أي : أن الله أبهم على عباده تشبيههم بهؤلاء أو بهؤلاء.
والثالث : أنها للشّك ، بمعنى : أنّ الناظر يشكّ في تشبيههم.
الرابع : أنها للإباحة.
الخامس : أنها للتخيير ، قالوا : لأن أصلها تساوي شيئين فصاعدا في الشك ، ثم اتسع فيها ، فاستعيرت للتساوي في غير الشك كقولك : «جالس الحسن أو ابن سيرين»
__________________
(١) في أ : المصب.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : بحال.