والعبث غير جائز على الحكيم. وأيضا إنّ العبد غير موجد لأفعاله ؛ لأنه غير عالم بتفاصيلها ، ومن لا يعلم تفاصيل الشيء لا يكون موجدا له ، وإذا لم يكن العبد موجدا لأفعال نفسه ، فإن أمره بذلك الفعل حالة ما خلقه فيه فقد أمره بتحصيل الحاصل ، وإن أمره حالة ما لم يخلقه فيه فقد أمره بالمحال ، وكل ذلك باطل.
وأجاب ابن الخطيب بوجهين :
أحدهما : أن أصحاب هذه الشّبه ، أوجبوا بما ذكروه اعتقاد عدم التّكليف ، فهذا التكليف ينفي التكليف ، وإنه متناقض.
والثاني : أن عندنا يحسن من الله كل شيء ، سواء كان ذلك تكليف ما لا يطاق أو غيره ؛ لأنه ـ تعالى ـ خالق مالك ، والمالك لا اعتراض عليه في فعله.
والخلق اختراع الشّيء على غير مثال سبق ، وهذه الصّفة ينفرد بها الباري تعالى ، ويطلق أيضا على «التقدير» ؛ قال زهير : [الكامل]
٢٧٥ ـ ولأنت تفري ما خلقت وبع |
|
ض القوم يخلق ثمّ لا يفري (١) |
وقال الحجّاج : «ما خلقت إلّا فريت ولا وعدت إلّا وفيت» وهذه الصّفة لا يختص بها الله تعالى ، وقد غلط أبو عبد الله البصري في أنه لا يطلق اسم «الخالق» على الله ـ تعالى ؛ قال: «لأنه محال ، وذلك أن التقدير والتسوية في حقّ الله ممتنعان ، لأنهما عبارة عن التفكّر والظّن» ، وكأنه لم يسمع قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ) [الحشر : ٢٤](اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر : ٦٢] ، وكأنّه لا يعلم أن الخلق يكون عبارة عن الإنشاء والاختراع.
قوله : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) محلّه العطف على المنصوب في «خلقكم» و «من قبلكم» صلة «الذين» ، فيتعلّق بمحذوف على ما تقرر. و «من» لابتداء الغاية ، واستشكل بعضهم وقوع «من قبلكم» صلة من حيث إن كل ما جاز أن يخبر به جاز أن يقع صلة ، و «من قبلكم» ناقص ليس في الإخبار به عن الأعيان فائدة إلا بتأويل ، فكذلك الصّلة.
قال : وتأويله أن ظرف الزمان إذا وصف صح الإخبار والوصل به تقول : «نحن في يوم طيب» ، فيكون التقدير هنا ـ والله أعلم ـ «والّذين كانوا من زمان قبل زمانكم».
وقال أبو البقاء (٢) : والتقدير : «والذين خلقهم من قبل خلقكم ، فحذف الخلق ، وأقام الضمير مقامه».
وقرأ زيد بن علي : «والّذين من قبلكم» ـ بفتح الميم ـ.
__________________
(١) ينظر البيت في ديوانه : (٩٤) ، المحرر الوجيز : (١ / ١١٤) ، الرازي : (١ / ٨٩) ، روح المعاني : (١ / ١٨٤) ، والقرطبي : (١ / ١٥٧) ، والدر المصون : (١ / ١٤٦).
(٢) ينظر الاملاء : ١ / ٢٣.