عبادة غيره ، أما إذا قال : «إياك نعبد» كان قد ذكر عبادة نفسه ، وعبادة جميع المؤمنين شرقا وغربا.
قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٦)
اهد : صيغة أمر ، ومعناها : الدعاء ، فقيل معناه : أرشدنا.
وقال عليّ ، وأبيّ بن كعب ـ رضي الله عنهما ـ ثبتنا ؛ كما يقال للقائم : قم حتى أعود إليك ، أي : دم على ما أنت عليه ، وهذا الدعاء من المؤمنين مع كونهم على الهداية بمعنى التّثبيت ، وبمعنى طلب مزيد الهداية ؛ لأنّ الألطاف والهدايات من (١) الله ـ تعالى ـ لا تتناهى على مذهب أهل السّنة.
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله تعالى ـ : المراد من قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) هو : أن يكون الإنسان معرضا عما سوى الله ـ تعالى ـ مقبلا بكلية قلبه وفكره وذكره على الله تعالى.
مثاله : أن يصير بحيث لو أمر بذبح ولده ، لأطاع ؛ كما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ولو أمر بأن ينقاد ، لأن يذبحه غيره ، لأطاع ؛ كما فعله إسماعيل عليه الصلاة والسّلام ، ولو أمر بأن يلقي نفسه في البحر ، لأطاع ؛ كما فعله يونس عليه الصلاة والسلام ، ولو أمر بأن يتلمذ لمن هو أعلم منه بعد بلوغه في المنصب إلى أعلى الغايات ، لأطاع ؛ كما فعله موسى ـ عليه الصّلاة والسلام ـ مع الخضر [عليه الصّلاة والسلام](٢) ، ولو أمر بأن يصبر في الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر على القتل ، والتفريق بنصفين ، لأطاع ؛ كما فعله يحيى بن زكريّا ـ عليهما الصّلاة والسلام ـ فالمراد بقوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، هو الاقتداء بأنبياء الله في الصّبر على الشدائد ، والثبات عند نزول البلاء ، ولا شكّ أن هذا مقام شديد ؛ لأن أكثر الخلق لا طاقة لهم به.
واعلم أن صيغة «افعل» ترد لمعان كثيرة ذكرها الأصوليّون.
وقال بعضهم : إن وردت صيغة «افعل» من الأعلى للأدنى ، قيل فيها : أمر ، وبالعكس دعاء ، ومن المساوي التماس ، وفاعله مستتر وجوبا ، لما مرّ ، أي : اهد أنت ، و «نا» مفعول أوّل ، وهو ضمير متصل يكون للمتكلّم مع غيره ، أو المعظّم نفسه ، ويستعمل في موضع : الرّفع ، والنصب ، والجر ، بلفظ واحد ؛ نحو : «قمنا» ، و «ضربنا زيد» ، و «مرّ بنا» ، ولا يشاركه في هذه الخصوصية غيره من الضّمائر.
وقد زعم بعض النّاس أن الياء كذلك ؛ تقول : «أكرمني» ، و «مرّ بي» ، و «أنت تقومين يا هند» ، و «الياء» في المثال الأوّل منصوبة المحلّ ، وفي الثاني مجرورته ، وفي
__________________
(١) في أ : إلى.
(٢) سقط في أ.