فِرْعَوْنُ : ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى ، وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ، إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ ، أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) [غافر ٤٠ / ٢٦].
وحين قال فرعون : (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ) وسمع الإسرائيليّون ذلك ، فزعوا وجزعوا وتضجّروا ، فطمأنهم موسى ونصحهم وقال لهم : استعينوا بالله وحده ، واطلبوا العون والتّأييد منه على رفع ذلك الوعيد عنكم ، واصبروا ولا تحزنوا ، فالله هو المعين على الشّدائد ، والصّبر سلاح المؤمن ومفتاح الفرج ، واعلموا (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ). وهذا وعد لهم بالنّصر ، وأنّ الدّار ستصير لهم.
واللام في (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ) يجوز أن تكون للعهد ، ويراد أرض مصر خاصة ، كقوله تعالى : (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) [الزّمر ٣٩ / ٧٤] ، ويجوز أن تكون للجنس ، فيتناول أرض مصر ؛ لأنها من جنس الأرض. ثمّ بشّرهم بحسن الخاتمة والعاقبة ، فقال :
واعلموا أن العاقبة الحسنى والخاتمة المحمودة لمن اتّقى الله ، والنّصر للمؤمنين ، لا كما يتوهّم فرعون وقومه.
ثم دار حوار بين بني إسرائيل وموسى ، وكأنّ الوصية لم تؤثّر فيهم ، ولشدّة فزعهم من فرعون وقومه ، فقالوا : أوذينا من قبل مجيئك وقبل ولادتك ، ومن بعد إرسالك ، وفعلوا بنا مثلما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى ، ومن بعد ذلك ، فقتلوا أولادنا ، وعذّبونا وأساؤوا لنا ، واليوم يتكرر ما كان في الماضي ، وتعود المأساة ، كما تسمع من الوعيد والتّهديد.
فأجابهم موسى مؤكّدا نصر الله لهم ، وما يصيرون إليه في المستقبل القريب ، وثقته بالله تعالى ، ومبشّرا بهلاك فرعون واستخلافهم بعده في أرض مصر : أملي بالله ورجائي بفضله ، والله محققه بمشيئته : (أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) فرعون وقومه ،