ومن النعم المذكورة أيضا على المؤمنين في بدر نعمة خفية أظهرها الله تعالى لهم ليشكروه عليها وهي إلهام الله الملائكة أنه معهم معية إعانة ونصر وتأييد ، فقال : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ ...) أي اذكروا إذ يوحي الله تعالى إلى الملائكة بأنه معهم حينما أرسلهم ردءا للمسلمين ، أو يوحي إلى الملائكة أني مع المؤمنين فانصروهم وثبتوهم ، قال الرازي : وهذا الثاني أولى ؛ لأن المقصود من هذا الكلام إزالة التخويف ، والملائكة ما كانوا يخافون الكفار ، وإنما الخائف هم المسلمون (١).
والمراد بالمعية : معية الإعانة والنصر والتأييد في مواقف القتال الشديدة.
فثبتوا قلوب المؤمنين ، وقووا عزائمهم ، وذكّروهم وعد الله أنه ناصر رسوله والمؤمنين ، والله لا يخلف الميعاد.
وقيل : إن الملائكة كانوا يتشبهون بصور رجال من معارف المؤمنين ، وكانوا يمدونهم بالنصر والفتح والظفر. أخرج البيهقي في الدلائل : أن الملك كان يأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه ، فيقول : أبشروا ، فإنهم ليسوا بشيء ، والله معكم ، كرّوا عليهم.
وقيل بوجه ثالث في معنى التثبيت وهو منقول عن الزجاج : للملك قوة إلقاء الخير ، وهو الإلهام ، كما أن للشيطان قوة إلقاء الشر ، وهو الوسوسة.
ثم ذكر الله تعالى المراد بقوله : (أَنِّي مَعَكُمْ) : وهو أني معكم في إعانتكم بإلقاء الرعب في قلوب الكفار ، فمن أعظم نعم الله تعالى على المؤمنين زرع الخوف والرعب في نفوس الكفار.
فاضربوا رؤوسهم التي هي فوق الأعناق واقطعوها ، واحتزوا الرقاب وقطّعوها ، وقطعوا الأطراف منهم وهي أيديهم وأرجلهم ذات البنان. والبنان :
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٥ / ١٣٥