فاستجاب لكم ، أي فأجاب دعاءكم بأني ممدكم بألف من أعيان الملائكة ، مردفين أي يردف بعضهم بعضا ويتبعه ، فيتقدم بعضهم ويعقبه الآخر ، وهكذا تتابع الملائكة ، وهذه هي الطليعة ، ثم تبعها آخرون ، فصاروا ثلاثة آلاف ، ثم خمسة آلاف ، كما قال تعالى في سورة آل عمران : (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) [١٢٤] ثم قال : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا ، يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [١٢٥].
وما جعل الله إرسال الملائكة وإعلامه إياكم بهم إلا بشرى لكم بأنكم منصورون ، ولتسكن به قلوبكم من الاضطراب الذي عرض لكم ، وإلا فهو تعالى قادر على نصركم على أعدائكم.
وليس النصر الحقيقي في الحروب إلا من عند الله ، دون غيره من الملائكة أو سواهم من الأسباب الظاهرية ، إن الله عزيز لا يغلب ، حكيم لا يضع شيئا في غير موضعه ، كما قال تعالى : (ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) [محمد ٤٧ / ٤].
وهل قاتلت الملائكة بالفعل يوم بدر؟ يرى بعضهم أن الملائكة لم يقاتلوا ، وإنما كان لهم تقوية معنوية؟ فكانوا يكثرون السواد ، ويثبّتون المؤمنين ، وإلا فملك واحد كاف في إهلاك أهل الدنيا كلهم ، فإن جبريل أهلك بريشة من جناحه مدائن قوم لوط ، وأهلك بلاد ثمود قوم صالح بصيحة واحدة. وقد أخذ بهذا الرأي الشيخ محمد عبده ومدرسته.
وقال جمهور العلماء : نزل جبريل في يوم بدر في خمسمائة ملك على الميمنة ، وفيها أبو بكر ، وميكائيل في خمسمائة على الميسرة ، وفيها علي بن أبي طالب في صور الرجال ، عليهم ثياب بيض وعمائم بيض ، وقد أرخوا أذنابها بين أكتافهم فقاتلت.