وشبّه حال كل كافر بحال رجل عرف آيات الله ، ثم تركها وراء ظهره ، وهذا ينطبق على بلعم بن باعوراء أو غيره ممن اتصف بهذه الصفة ، فلم تعين الآية اسم من ضرب به المثل ، وحينئذ لا يهم سواء أكان ذلك مطابقا لبعض الروايات بأنه رجل من بني إسرائيل أم الكنعانيين أم أهل اليمن ، أم من غيرهم.
وتكون الآية تحذيرا للناس عن اتباع أهوائهم ، وركونهم إلى الدنيا وشهواتها ، واتباع الأغراض الدنيئة ، وترك ما أرشدتهم إليه آيات الله من الإيمان بالله وبرسوله وبالآخرة.
والآية واضحة الدلالة على أن المعرض عن آيات الله ، واقع في الضلالة والغواية ، بسبب سوء فعله ، واختياره العمل بما هو قبيح شرعا ومروءة.
وعلى الإنسان الاعتبار بهذه القصة ، والتأمل والتفكر في آيات الله بعين البصيرة والعقل ، لا بالهوى والحقد والعداوة. وفي إيراد هذا المثل والتشبيه بالصورة الواقعية إشارة إلى أن للأمثال تأثيرا قويا في إقناع السامعين ، وأنها أقوى أثرا من إيراد الحجج والبراهين.
وفيها إشارة أيضا إلى أهمية التفكر ، وأنه مبدأ الوصول إلى الحقيقة والعلم والمعرفة الصحيحة ، كما قال تعالى في مناسبات كثيرة في كتابه ، مثل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر ٣٩ / ٤٢] ومثل : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس ١٠ / ٢٤].
وهذه الآية ـ كما قال الرازي ـ من أشد الآيات على أصحاب العلم ، فإن العالم إذا لم يعمل بعمله ، حرم بركة العلم ، وكان بعده عن الله أعظم ، كما نقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال فيما رواه الديلمي في الفردوس عن علي رضياللهعنه : «من ازداد علما ، ولم يزدد زهدا ، لم يزدد من الله إلا بعدا» أو كما قال.