التفسير والبيان :
واذكر يا محمد للناس جميعا ما أخذه الله على البشر كافة من ميثاق يتضمن الاعتراف على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم ، وأنه لا إله إلا الله ، وذلك حين أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم كما تثبت الآية ، ومن آدم نفسه كما ثبت في الخبر (١) ، أي استخرج من بني آدم ذريتهم أو سلالتهم ، وخلقهم على فطرة التوحيد والإسلام.
وأشهد كل واحد على نفسه من هؤلاء الذرية قائلا لهم قول إرادة وتكوين ، لا قول وحي وتبليغ : ألست بربكم؟ فقالوا بلسان الحال ، لا بلسان المقال : بلى أنت ربنا المستحق وحدك للعبادة.
وسبب هذا الإشهاد هو ألا يعتذروا يوم القيامة إذا أشركوا : إنا كنا عن التوحيد غافلين ، أي لم ينبهنا إليه أحد ، فلا عذر لكم بعد إقامة الأدلة على وحدانية الله ، ووجود العقل ، وتكوين الفطرة.
وخلق الناس على فطرة التوحيد مقرر في آية أخرى هي قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ، فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم ٣٠ / ٣٠] وفي الصحيحين ما يؤيد ذلك عن أبي هريرة رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كل مولود يولد على الفطرة» وفي رواية : «على هذه الملة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسّون فيها من جدعاء» وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يقول الله : إني خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم». والجمعاء : السليمة الخلقة ، والجدعاء : المقطوعة بعض الأعضاء.
__________________
(١) وهو ما رواه الترمذي وصححه عن أبي هريرة رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لما خلق الله آدم مسح ظهره. فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ...».