أسفل منهم ، فزهقت أرواحهم وجمدت أجسامهم (١).
فمن الخاسر إذن؟ الحقيقة أن الذين كذبوا شعيبا هم الخاسرون على سبيل الحصر ، وهم المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا ، كأن لم يقيموا في دارهم ، وهو رد على قولهم السابق : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) والمراد من هذا الرد : المبالغة في الذم والتوبيخ ، وأما الإعادة فهي لتعظيم الأمر وتفخيمه وتهويل ما يستحقون من الجزاء على جهلهم ، لذا كرر قوله : (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً).
الحق أن الكافرين هم الذين خسروا خسرانا عظيما في الدنيا والآخرة ، دون المؤمنين ؛ لأن الذين اتبعوا شعيبا قد أنجاهم الله ، فهم الرابحون. كما قال تعالى : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ، وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ، فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) [هود ١١ / ٩٤].
وفي هذا دلالة واضحة على أن العاقبة للمتقين ، والربح الحقيقي لمن يأكل الحلال ، ويترفع عن الحرام ، وأن الدمار والهلاك والإفلاس للكافرين الذين ينغمسون في الحرام ، ويأكلون أموال الناس بالباطل.
وأما شعيب فقد أدبر عنهم وتولى عنهم بعد ما أصابهم من العذاب والنقمة والنكال ، وقال موبخا لهم ومقرعا : (يا قَوْمِ ، لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي ، وَنَصَحْتُ لَكُمْ) أي قد أديت إليكم ما أرسلت به ، فلا آسف عليكم ، وقد كفرتم بما جئتكم به ، كما قال : (فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ)؟! أي فكيف أحزن على قوم أنكروا وحدانية الله ، وكذبوا رسوله ، ولقد أعذر من أنذر. قال الكلبي : خرج من بين أظهرهم ، ولم يعذب قوم نبي حتى أخرج من بينهم.
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٢٣٢.