دلائل القدرة ومن عظيم النعمة. فالمقصود منه إبطال الشرك لأن ذلك الأصل الأصيل في ضلال المعرضين عن الدعوة المحمدية ، ويتضمن ذلك امتنانا على الناس بأنه أخرجهم من مهانة العدم إلى شرف الوجود وذلك كله ليظهر الفرق بين فريق المؤمنين الذين جروا في إيمانهم على ما يليق بالاعتراف بذلك وبين فريق المشركين الذين سلكوا طريقا غير بينة فحادوا عن مقتضى الشكر بالشرك.
وتأكيد الخبر بلام القسم وحرف التحقيق مراعى فيه التعريض بالمشركين المنزّلين منزلة من ينكر هذا الخبر لعدم جريهم على موجب العلم.
والخلق : الإنشاء والصنع ، وقد تقدم في قوله : (قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) في آل عمران [٤٧]. والمراد بالإنسان يجوز أن يكون النوع الإنساني ، وفسر به ابن عباس ومجاهد ، فالتعريف للجنس. وضمير (جَعَلْناهُ) عائد إلى الإنسان.
والسّلالة : الشيء المسلول ، أي المنتزع من شيء آخر ، يقال : سللت السيف ، إذا أخرجته من غمده ، فالسلالة خلاصة من شيء ، ووزن فعالة يؤذن بالقلة مثل القلامة والصبابة.
و (مِنْ) ابتدائية ، أي خلقناه منفصلا وآتيا من سلالة ، فتكون السلالة على هذا مجموع ماء الذكر والأنثى المسلول من دمهما.
وهذه السلالة هي ما يفرزه جهاز الهضم من الغذاء حين يصير دما ؛ فدم الذكر حين يمر على غدتي التناسل (الأنثيين) تفرز منه الأنثيان مادة دهنيّة شحميّة تحتفظ بها وهي التي تتحوّل إلى منيّ حين حركة الجماع ، فتلك السلالة مخرجة من الطين لأنها من الأغذية التي أصلها من الأرض. ودم المرأة إذا مر على قناة في الرحم ترك فيها بويضات دقيقة هي بذر الأجنة. ومن اجتماع تلك المادة الدهنية التي في الأنثيين مع البويضة من البويضات التي في قناة الرحم يتكوّن الجنين فلا جرم هو مخلوق من سلالة من طين.
وقوله (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) طور آخر للخلق وهو طور اختلاط السلالتين في الرحم. سميت سلالة الذكر نطفة لأنها تنطف ، أي تقطر في الرحم في قناة معروفة وهو القرار المكين.
ف (نُطْفَةً) منصوب على الحال وقوله : (فِي قَرارٍ مَكِينٍ) هو المفعول الثاني ل (جَعَلْناهُ). و (ثُمَ) للترتيب الرتبي لأن ذلك الجعل أعظم من خلق السلالة. فضمير