(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣))
هذه الآية نزلت مستقلة بأولها ونهايتها كما يأتي قريبا في ذكر سبب نزولها ، سواء كان نزولها قبل الآيات التي افتتحت بها السورة أم كان نزولها بعد تلك الآيات. فهذه الجملة ابتدائية. ومناسبة موقعها بعد الجملة التي قبلها واضحة.
وقد أعضل معناها فتطلب المفسرون وجوها من التأويل وبعض الوجوه ينحل إلى متعدد.
وسبب نزول هذه الآية ما رواه أبو داود وما رواه الترمذي وصححه وحسنه : «أنه كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد (الغنوي من المسلمين) كان يخرج من المدينة إلى مكة يحمل الأسرى (١) فيأتي بهم إلى المدينة. وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها : عناق. وكانت خليلة له ، وأنه كان وعد رجلا من أسارى مكة ليحمله. قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة. قال : فجاءت عناق فقالت : مرثد؟ قلت : مرثد. قالت : مرحبا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة. قال فقلت : حرم الله الزنى. فقالت عناق : يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم ، فتبعني ثمانية (من المشركين) .. إلى أن قال : ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته ففككت عنه كبله حتى قدمت المدينة فأتيت رسول الله فقلت : يا رسول الله أنكح عناق؟ فأمسك رسول الله فلم يرد عليّ شيئا حتى نزلت (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فقال رسول الله : يا مرثد لا تنكحها».
فتبيّن أن هذه الآية نزلت جوابا عن سؤال مرثد بن أبي مرثد هل يتزوج عناق. ومثار ما يشكل ويعضل من معناها : أن النكاح هنا عقد التزوج كما جزم به المحققون من المفسرين مثل الزجاج والزمخشري وغيرهما. وأنا أرى لفظ النكاح لم يوضع ولم يستعمل إلا في عقد الزواج وما انبثق زعم أنه يطلق على الوطء إلا من تفسير بعض المفسرين قوله تعالى : (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة : ٢٣٠] بناء على اتفاق الفقهاء على أن مجرد العقد على المرأة بزوج لا يحلها لمن بتّها إلا إذا دخل بها الزوج الثاني.
__________________
(١) أي الذين أوثقهم المشركون بمكة لأجل إيمانهم ولم يتركوهم يهاجرون إلى المدينة فكان مرتد يحملهم إلى المدينة سرا.