اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) [آل عمران : ١٧٢] ، وأن المراد من الدعوة الهداية كقوله : (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) [آل عمران : ١٠٤] ، وقد تعلق فعل (دَعاكُمْ) بقوله (لِما يُحْيِيكُمْ) أي لما فيه صلاحكم ، غير أن لفظ الاستجابة لما كان صالحا للحمل على المعنى الحقيقي أيضا وهو إجابة النداء حمل النبي صلىاللهعليهوسلم الآية على ذلك في المقام الصالح له ، بقطع النظر عن المتعلّق وهو قوله : (لِما يُحْيِيكُمْ) وكذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا ، (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء : ١٠٤] إنما هو تشبيه الخلق الثاني بالخلق الأول لدفع استبعاد البعث ، كقوله تعالى : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) [ق : ١٥] وقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] ، فذلك مورد التشبيه ، غير أن التشبيه لما كان صالحا للحمل على تمام المشابهة أعلمنا النبي صلىاللهعليهوسلم أن ذلك مراد منه ، بأن يكون التشبيه بالخلق الأول شاملا للتجرد من الثياب والنعال.
وكذلك قوله تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] فقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم لعمر بن الخطاب لما قال له لا تصلّ على عبد الله ابن أبيّ بن سلول فإنه منافق وقد نهاك الله عن أن تستغفر للمنافقين ، فقال النبي : «خيّرني ربي وسأزيد على السبعين» فحمل قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] على التخيير مع أن ظاهره أنه مستعمل في التسوية ، وحمل اسم العدد على دلالته الصريحة دون كونه كناية عن الكثرة كما هو قرينة السياق لمّا كان الأمر واسم العدد صالحين لما حملهما عليه فكان الحمل تأويلا ناشئا عن الاحتياط. ومن هذا قول النبي لأن كلثوم بنت عقبة بن معيط حين جاءت مسلمة مهاجرة إلى المدينة وأبت أن ترجع إلى المشركين فقرأ النبي قوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) [الأنعام : ٩٥] فاستعمله في معنى مجازي هو غير المعنى الحقيقي الذي سيق إليه ، وما أرى سجود النبي صلىاللهعليهوسلم في مواضع سجود التلاوة من القرآن إلا راجعا إلى هذا الأصل فإن كان فهما منه رجع إلى ما شرحنا تأصيله ، وإن كان وحيا كان أقوى حجة في إرادة الله من ألفاظ كتابه ما تحتمله ألفاظه مما لا ينافي أغراضه.
وكذلك لما ورد عن أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ومن بعدهم من الأئمة مثل ما روي أن عمرو بن العاص أصبح جنبا في غزوة في يوم بارد فتيمم وقال : الله تعالى يقول : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) [النساء : ٢٩] مع أن مورد الآية أصله في النهي عن أن يقتل الناس بعضهم بعضا.