اجعل هذا المكان بلدا آمنا أي قرية آمنة فيكون دعاء بأن يصير قرية وأن تكون آمنة.
وإن كان المشار إليه في وقت دعائه قرية بنى أناس حولها ونزلوا حذوها وهو الأظهر الذي يشعر به كلام «الكشاف» هنا وفي سورة إبراهيم كان دعاء للبلد بحصول الأمن له وأما حكاية دعوته في سورة إبراهيم [٣٥] بقوله : (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) فتلك دعوة له بعد أن صار بلدا.
ولقد كانت دعوة إبراهيم هذه من جوامع كلم النبوءة فإن أمن البلاد والسبل يستتبع جميع خصال سعادة الحياة ويقتضي العدل والعزة والرخاء إذ لا أمن بدونها ، وهو يستتبع التعمير والإقبال على ما ينفع والثروة فلا يختل الأمن إلا إذا اختلت الثلاثة الأول وإذا اختل اختلت الثلاثة الأخيرة ، وإنما أراد بذلك تيسير الإقامة فيه على سكانه لتوطيد وسائل ما أراده لذلك البلد من كونه منبع الإسلام.
والثّمرات جمع ثمرة وهي ما تحمل به الشجرة وتنتجه مما فيه غذاء للإنسان أو فاكهة له ، وكأن اسمه منتسب من اسم التمر بالمثناة فإن أهل الحجاز يريدون بالثمر بالمثلثة التمر الرّطب وبالمثناة التمر اليابس.
وللثمرة جموع متعددة وهي ثمر بالتحريك وثمار ، وثمر ، بضمتين ، وأثمار ، وأثامير ، قالوا : ولا نظير له في ذلك إلا أكمة جمعت على أكم وإكام وأكم وآكام وأكاميم.
والتعريف في الثمرات تعريف الاستغراق وهو استغراق عرفي أي من جميع الثمرات المعروفة للناس ودليل كونه تعريف الاستغراق مجيء من التي للتبعيض ، وفي هذا دعاء لهم بالرفاهية حتى لا تطمح نفوسهم للارتحال عنه.
وقوله : (مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ) بدل بعض من قوله (أَهْلَهُ) يفيد تخصيصه لأن أهله عام إذ هو اسم جمع مضاف وبدل البعض مخصص.
وخصّ إبراهيم المؤمنين بطلب الرزق لهم حرصا على شيوع الإيمان لساكنيه لأنهم إذا علموا أن دعوة إبراهيم خصت المؤمنين تجنبوا ما يحيد بهم عن الإيمان ، فجعل تيسير الرزق لهم على شرط إيمانهم باعثا لهم على الإيمان ، أو أراد التأدب مع الله تعالى فسأله سؤالا أقرب إلى الإجابة ولعله استشعر من رد الله عليه عموم دعائه السابق إذ قال : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [البقرة : ١٢٤] فقال : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤] أن غير المؤمنين ليسوا أهلا لإجراء رزق الله عليهم وقد أعقب الله دعوته بقوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً).