وهم من أهل العلم الذين لا يليق بهم المجازفة ومن حقهم الإنصاف بأن يبينوا مواقع الخطأ عند مخالفيهم.
وجعل ابن عطية التعريف للعهد وجعل المعهود التوراة أي لأنها الكتاب الذي يقرؤه الفريقان. ووجه التعجيب على هذا الوجه أن التوراة هي أصل للنصرانية والإنجيل ناطق بحقيتها فكيف يسوغ للنصارى ادعاء أنها ليست بشيء كما فعلت نصارى نجران ، وأن التوراة ناطقة بمجيء رسل بعد موسى فكيف ساغ لليهود تكذيب رسول النصارى.
وإذا جعل الضمير عائدا للنصارى خاصة يحتمل أن يكون المعهود التوراة كما ذكرنا أو الإنجيل الناطق بأحقية التوراة وفي (يَتْلُونَ) دلالة على هذا لأنه يصير التعجب مشربا بضرب من الاعتذار أعني أنهم يقرءون دون تدبر وهدا من التهكم وإلا لقال وهم يعلمون الكتاب وبهذا يتبين أن ليست هذه الآية واردة للانتصار لأحد الفريقين أو كليهما.
وقوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) أي يشبه هذا القول قول فريق آخر غير الفريقين وهؤلاء الذين لا يعلمون هم مقابل الذين يتلون الكتاب وأريد بهم مشركو العرب وهم لا يعلمون لأنهم أمّيون وإطلاق (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) على المشركين وارد في القرآن من ذلك قوله الآتي : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) [البقرة : ١١٨] بدليل قوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) [البقرة : ١١٨] يعني كذلك قال اليهود والنصارى ، والمعنى هنا أن المشركين كذبوا الأديان كلها اليهودية والنصرانية والإسلام والمقصود من التشبيه تشويه المشبه به بأنه مشابه لقول أهل الضلال البحت.
وهذا استطراد للإنحاء على المشركين فيما قابلوا به الدعوة الإسلامية ، أي قالوا للمسلمين مثل مقالة أهل الكتابين بعضهم لبعض وقد حكى القرآن مقالتهم في قوله : (إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٩١].
والتشبيه المستفاد من الكاف في (كَذلِكَ) تشبيه في الادعاء على أنهم ليسوا على شيء والتقدير مثل ذلك القول الذي قالته اليهود والنصارى قال الذين لا يعلمون ، ولهذا يكون لفظ (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) تأكيدا لما أفاده كاف التشبيه وهو تأكيد يشير إلى أن المشابهة بين قول (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وبين قول اليهود والنصارى مشابهة تامة لأنهم لما قالوا (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) قد كذّبوا اليهود والنصارى والمسلمين.
وتقديم الجار والمجرور على متعلقه وهو (قالَ) إما لمجرد الاهتمام ببيان الماثلة