من ديارهم كان في جملة المنهيات. ولك أن تجعل الواو للحال من قوله : (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً) أي تخرجونهم والحال إن أسرتموهم تفدونهم. وكيفما قدرت فقوله : (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) جملة حالية من قوله : (يَأْتُوكُمْ) إما حال من معطوف وإما حال من حال إذ ليس فداء الأسير بمذموم لذاته ولكن ذمه باعتبار ما قارنه من سبب الفداء فحمل التوبيخ هو مجموع المفاداة مع كون الإخراج محرما وبعد أن قتلوهم وأخرجوهم ، فجملة (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) حالية من ضمير (تُفادُوهُمْ). وصدرت بضمير الشأن للاهتمام بها وإظهار أن هذا التحريم أمر مقرر مشهور لديهم وليست معطوفة على قوله : (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ) وما بينهما اعتراض لقلة جدواه إذ قد تحقق ذلك بقوله : (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ).
وفي قوله : (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) تشنيع وتبليد لهم إذ توهموا القربة فيما هو من آثار المعصية أي كيف ترتكبون الجناية وتزعمون أنكم تتقربون بالفداء وإنما الفداء المشروع هو فداء الأسرى من أيدي الأعداء لا من أيديكم فهلا تركتم موجب الفداء؟.
وعندي أن في الآية دلالة على ترجيح قول إمام الحرمين في أن الخارج من المغصوب ليس آتيا بواجب ولا بحرام ولكنه انقطع عنه تكليف النهي وأن القربة لا تكون قربة إلا إذا كانت غير ناشئة عن معصية.
والأسارى ـ بضم الهمزة ـ جمع أسير حملا له على كسلان كما حملوا كسلان على أسير فقالوا : كسلى هذا مذهب سيبويه لأن قياس جمعه أسرى كقتلى. وقيل : هو جمع نادر وليس مبنيا على حمل ، كما قالوا قدامى جمع قديم. وقيل : هو جمع جمع فالأسير يجمع على أسرى ثم يجمع أسرى على أسارى وهو أظهر. والأسير فعيل بمعنى مفعول من أسره إذا أوثقه وهو فعل مشتق من الاسم الجامد فإن الإسار هو السّير من الجلد الذي يوثق به المسجون والموثوق وكانوا يوثقون المغلوبين في الحرب بسيور من الجلد ، قال النابغة :
لم يبق غير طريد غير منفلت |
|
أو موثق في حباله القدّ مسلوب |
وقرأ الجمهور (أسارى) ، وقرأه حمزة (أسرى).
وقرأ نافع والكسائي وعاصم ويعقوب (تُفادُوهُمْ) بصيغة المفاعلة المستعملة في المبالغة في الفداء أي تفدوهم فداء حريصا ، فاستعمال فادى هنا مسلوب المفاضلة مثل