أبا حكم ها أنت نجم مجالد
ولأجل ذلك جاء ابن مالك في خطبة «التسهيل» بقوله : وها أنا ساع فيما انتدبت إليه ، وجاء ابن هشام في خطبة «المغني» بقوله : وها أنا مبيح بما أسررته.
واختلف النحاة أيضا في أن وقوع الضمير بعد (ها) التنبيه هل يتعين أن يعقبه اسم الإشارة فقال في «التسهيل» هو غالب لا لازم وقال ابن هشام هو لازم صرح به في «حواشي التسهيل» بنقل الدماميني في «الحواشي المصرية» في الخطبة وفي الهاء المفردة. وقال الرضى إن دخول (ها) التنبيه في الحقيقة إنما هو على اسم الإشارة على ما هو المعروف في قولهم هذا وإنما يفصل بينها وبين اسم الإشارة بفاصل فمنه الضمير المرفوع المنفصل كما رأيت ومنه القسم نحو قول الشاعر من «شواهد الرضي» :
تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما |
|
فاقدر بذرعك فانظر أين تنسلك |
وشذ بغير ذلك نحو قول النابغة :
ها إنّ تا عذرة إن لا تكن نفعت |
|
فإن صاحبها قد تاه في البلد |
وقوله : (تَقْتُلُونَ) حال أو خبر. وعبر بالمضارع لقصد الدلالة على التجدد وأن ذلك من شأنكم وكذلك قوله : (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ).
وجعل في «الكشاف» المقصود بالخطابات كلها في هذه الآية مرادا به أسلاف الحاضرين وجعل قوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ) مع إشعاره بمغايرة المشار إليهم للذين وجه إليهم الخطاب مرادا منه مغايرة تنزيلية لتغير صفات المخاطب الواحد وذلك تكلف ساقه إليه محبة جعل الخطابات في هذه الآية موافقة للخطابات التي في الآي قبلها ، وقد علمت أنه غير لازم وأن المغايرة مقصودة هنا وقد استقامت فلا داعي إلى التكلف.
وقد أشارت هذه الآية إلى ما حدث بين اليهود من التخاذل وإهمال ما أمرتهم به شريعتهم (١) والأظهر أن المقصود يهود قريظة والنضير وقينقاع. وأراد من ذلك بخاصة ما
__________________
(١) ابتدأ التخاذل بين اليهود بعد وفاة سليمان وبيعة ابنه رحبعام ملكا على إسرائيل إذ شق عليه عصا الطاعة غلام أبيه المسمى يربعام وتحزب الأسباط عدا سبطي يهوذا وبنيامين مع يربعام وقد هم رحبعام أن يقاتل من خرج عنه فنهاه النبي شمعيا وبذلك كف رحبعام عن القتال ورضي بمن بقي معه (إصحاح ١٢ ملوك أول) ولما مات رحبعام وولى ابنه «أبيا» جمع جيشا لقتال يربعام عبد جده وصارت بينهم مقاتلات كثيرة في جبل (أفرايم) قيل إن القتلى من الفريقين بلغت خمسمائة ألف (إصحاح ١٣ الأيام الثاني) ثم نشأت بينهم حروب سنة (٤٠) للمسيح.