وبعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان
وعلى طريقتهم تعلق قوله : (بِالْوالِدَيْنِ) بفعل محذوف تقديره وأحسنوا ، وقوله : (إِحْساناً) مصدر ويرد عليهم أن حذف عامل المصدر المؤكد ممتنع لأنه تبطل به فائدة التأكيد الحاصلة من التكرير فلا حاجة إلى جميع ذلك. ونجزم بأن المجرور مقدم على المصدر ، على أن التوسع في المجرورات أمر شائع وأصل مفروغ منه.
واليتامى جمع يتيم كالندامى للنديم وهو قليل في جمع فعيل.
وجعل الإحسان لسائر الناس بالقول لأنه القدر الذي يمكن معاملة جميع الناس به وذلك أن أصل القول أن يكون عن اعتقاد ، فهم إذا قالوا للناس حسنا فقد أضمروا لهم خيرا وذلك أصل حسن المعاملة مع الخلق قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
وقد علمنا الله تعالى ذلك بقوله : (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا) [الحشر : ١٠] على أنه إذا عرض ما يوجب تكدر الخاطر فإن القول الحسن يزيل ما في نفس القائل من الكدر ويرى للمقول له الصفاء فلا يعامله إلا بالصفاء قال المعري :
والخل كالماء يبدي لي ضمائره |
|
مع الصفاء ويخيفها مع الكدر |
على أن الله أمر بالإحسان الفعلي حيث يتعين ويدخل تحت قدرة المأمور وذلك الإحسان للوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين وإيتاء الزكاة ، وأمر بالإحسان القولي إذا تعذر الفعلي على حد قول أبي الطيب :
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
وقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) أطلقت الزكاة فيه على الصدقة مطلقا أو على الصدقة الواجبة على الأموال : وليس المراد الكناية عن شريعة الإسلام لما علمت من أن هاته المعاطيف تابعة لبيان الميثاق وهو عهد موسى عليهالسلام.
وقوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ) خطاب للحاضرين وليس بالتفات كما علمت آنفا. والمعنى أخذنا ميثاق الأمة الإسرائيلية على التوحيد وأصول الإحسان فكنتم ممن تولى عن ذلك وعصيتم شرعا اتبعتموه. والتولي الإعراض وإبطال ما التزموه ، وحذف متعلقه لدلالة ما تقدم عليه ، أي توليتم عن جميع ما أخذ عليكم الميثاق به أي أشركتم بالله وعبدتم الأصنام وعققتم الوالدين وأسأتم لذوي القربى واليتامى والمساكين وقلتم للناس أفحش القول وتركتم الصلاة ومنعتم الزكاة.