«بعلا» وربما سموه «مولوك» وهم أمة سامية لغتها وعوائدها تشبه في الغالب لغة وعوائد العرب فلما مر بهم بنو إسرائيل قالوا لموسى (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] فانتهرهم موسى وكانوا يخشونه فلما ذهب للمناجاة واستخلف عليهم هارون استضعفوه وظنوا أن موسى هلك فاتخذوا العجل الذي صنعوه من ذهب وفضة من حليهم وعبدوه.
وقوله : (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) حال مقيدة لاتخذتم ليكون الاتخاذ مقترنا بالظلم من مبدئه إلى منتهاه وفائدة الحال الإشعار بانقطاع عذرهم فيما صنعوا وأن لا تأويل لهم في عبادة العجل أو لأنهم كانوا مدة إقامتهم بمصر ملازمين للتوحيد محافظين على وصية إبراهيم ويعقوب لذريتهما بملازمة التوحيد فكان انتقالهم إلى الشرك بعد أن جاءهم رسول انتقالا عجيبا. فلذلك كانوا ظالمين في هذا الصنع ظلما مضاعفا فالظاهر أن ليس المراد بالظلم في هاته الآية الشرك والكفر وإن كان من معاني الظلم في اصطلاح القرآن لظهور أن اتخاذ العجل ظلم فلا يكون للحال معه موقع. وقد اطلعت بعد هذا على «تفسير الشيخ محمد بن عرفة التونسي» فوجدته قال : (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) أي لا شبهة لكم في اتخاذه.
وقوله : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) هو محل المنة ، وعطفه بثم لتراخي رتبة هذا العفو في أنه أعظم من جميع تلك النعم التي سبق عدها ففيه زيادة المنة فالمقصود من الكلام هو المعطوف بثم وأما ما سبق من قوله : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) إلخ فهو تمهيد له وتوصيف لما حفّ بهذا العفو من عظم الذنب. وقوله : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) حال من ضمير «عفونا» مقيدة للعفو إعجابا به أي هو عفو حال حصوله بعد ذلك الذنب العظيم وليس ظرفا لغوا متعلقا بعفونا حتى يقال : إن ثم دلت على معناه فيكون تأكيدا لمدلول ثم تأخير العفو فيه وإظهار شناعته بتأخير العفو عنه وإنما جاء قوله ذلك مقترنا بكاف خطاب الواحد في خطاب الجماعة لأن ذلك لكونه أكثر أسماء الإشارة استعمالا بالإفراد إذ خطاب المفرد أكثر غلب فاستعمل لخطاب الجمع تنبيها على أن الكاف قد خرجت عن قصد الخطاب إلى معنى البعد ومثل هذا في كلام العرب كثير لأن التثنية والجمع شيئان خلاف الأصل لا يصار إليهما إلا عند تعيين معناهما فإذا لم يقصد تعيين معناهما فالمصير إليهما اختيار محض.
وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) رجاء لحصول شكركم ، وعدل عن لام التعليل إيماء إلى أن شكرهم مع ذلك أمر يتطرقه احتمال التخلف فذكر حرف الرجاء دون حرف التعليل من بديع البلاغة فتفسير لعل بمعنى لكي يفيت هذه الخصوصية وقد تقدم كيفية دلالة لعل على