المصرية السفلى. وكانت معاشرة الإسرائيليين للمصريين حسنة زمنا طويلا غير أن الإسرائيليين قد حافظوا على دينهم ولغتهم وعاداتهم فلم يعبدوا آلهة المصريين وسكنوا جميعا بجهة يقال لها أرض (جاسان) ومكث الإسرائيليون على ذلك نحوا من أربعمائة سنة تغلب في خلالها ملوك المصريين على ملوك العمالقة وطردوهم من مصر حتى ظهرت في مصر العائلة التاسعة عشرة وملك ملوكها جميع البلاد المصرية ونبغ فيهم رعمسيس الثاني الملقب بالأكبر في حدود سنة ١٣١١ قبل المسيح وكان محاربا باسلا وثارت في وجهه الممالك التي أخضعها أبوه ومنهم الأمم الكائنة بأطراف جزيرة العرب ، فحدثت أسباب أو سوء ظنون أوجبت تنكر القبط على الإسرائيليين وكلفوهم أشق الأعمال وسخروهم في خدمة المزارع والمباني وصنع الآجر. وتقول التوراة إنهم بنوا لفرعون مدينة مخازن (فيثوم) ومدينة (رعمسيس) ثم خشي فرعون أن يكون الإسرائيليون أعوانا لأعدائه عليه فأمر باستئصالهم وكأنه اطلع على مساعدة منهم لأبناء نسبهم من العمالقة والعرب فكان يأمر بقتل أبنائهم وسبي نسائهم وتسخير كبارهم ولا بد أن يكون ذلك لما رأى منهم من التنكر ، أو لأن القبط لما أفرطوا في استخدام العبرانيين علم فرعون أنه إن اختلطت جيوشه في حرب لا يسلم من ثورة الإسرائيليين فأمر باستئصالهم. وأما ما يحكيه القصاصون أن فرعون أخبره كاهن أن ذهاب ملكه يكون على يد فتى من إسرائيل فلا أحسبه صحيحا إذ يبعد أن يروج مثل هذا على رئيس مملكة فيفنى به فريقا من رعاياه ، اللهم إلا أن يكون الكهنة قد أغروا فرعون باليهود قصدا لتخليص المملكة من الغرباء أو تفرسوا من بني إسرائيل سوء النوايا فابتكروا ذلك الإنباء الكهنوتي لإقناع فرعون ، بوجوب الحذر من الإسرائيليين ولعل ذبح الأبناء كان من فعل المصريين استخفافا باليهود ، فكانوا يقتلون اليهودي في الخصام القليل كما أنبأت بذلك آية (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) [القصص : ١٥] والحاصل أن التاريخ يفيد على الإجمال أن عداوة عظيمة نشأت بين القبط واليهود آلت إلى أن استأصل القبط الإسرائيليين. ولقد أبدع القرآن في إجمالها إذ كانت تفاصيل إجمالها كثيرة لا يتعلق غرض التذكير ببيانها.
وجملة : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) حال من (آلِ فِرْعَوْنَ) يحصل بها بيان ما وقع الإنجاء منه وهو العذاب الشديد الذي كان الإسرائيليون يلاقونه من معاملة القبط لهم.
ومعنى (يَسُومُونَكُمْ) يعاملونكم معاملة المحقوق بما عومل به يقال سامه خسفا إذا أذله واحتقره فاستعمل سام في معنى أنال وأعطى ولذلك يعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر. وحقيقة سام عرض السوم أي الثمن.