من الصرف بأنه لما لم يكن له نظير في الأسماء العربية عد بمنزلة الأعجمي وهو اعتذار ركيك. وأكثر الذين أحصوا الكلمات المعربة في القرآن لم يعدوا منها اسم إبليس لأنهم لم يتبينوا ذلك وصلاحية الاسم لمادة عربية ومناسبته لها.
وجمل (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) استئناف بياني مشير إلى أن مخالفة حاله لحال الملائكة في السجود لآدم ، شأنه أن يثير سؤالا في نفس السامع كيف لم يفعل إبليس ما أمر به وكيف خالف حال جماعته وما سبب ذلك لأن مخالفته لحالة معشره مخالفة عجيبة إذ الشأن الموافقة بين الجماعات كما قال دريد بن الصمة :
وهل أنا إلا من غزيّة إن غوت |
|
غويت وإن ترشد غزية أرشد |
فبين السبب بأنه أبى واستكبر وكفر بالله.
والإباء الامتناع من فعل أو تلقيه. والاستكبار شدة الكبر والسين والتاء فيه للعد أي عد نفسه كبيرا مثل استعظم واستعذب الشراب أو يكون السين والتاء للمبالغة مثل استجاب واستقر فمعنى استكبر اتصف بالكبر. والمعنى أنه استكبر على الله بإنكار أن يكون آدم مستحقا لأن يسجد هو له إنكارا عن تصميم لا عن مراجعة أو استشارة كما دلت عليه آيات أخرى مثل قوله : (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف : ١٢] وبهذا الاعتبار خالف فعل إبليس قول الملائكة حين قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) [البقرة : ٣٠] ، لأن ذلك كان على وجه التوقف في الحكمة ولذلك قالوا : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [البقرة : ٣٠] فإبليس بإبائه انتقضت الجبلة التي جبل عليها أول مرة ، فاستحالت إلى جبلة أخرى على نحو ما يعرض من تطور للعاقل حين يختل عقله وللقادر حين تشل بعض أعضائه ، ومن العلل علل جسمانية ومنها علل روحانية كما قال :
فكنت كذي رجلين رجل صحيحة |
|
ورجل رمى فيها الزمان فشلت |
والاستكبار التزايد في الكبر لأن السين والتاء فيه للمبالغة لا للطلب كما علمت ، ومن لطائف اللغة العربية أن مادة الاتصاف بالكبر لم تجىء منها إلا بصيغة الاستفعال أو التفعل إشارة إلى أن صاحب صفة الكبر لا يكون إلا متطلبا الكبر أو متكلفا له وما هو بكبير حقا ويحسن هنا أن نذكر قول أبي العلاء :
علوتم فتواضعتم على ثقة |
|
لما تواضع أقوام على غرر |