الشر وخطورها بباله وحمل أحوال الناس على مثل حاله فعرضت له حالة استئمان تشبه الغرية قال ذو الرمة :
تلك الفتاة التي علقتها عرضا |
|
إنّ الحليم وذا الإسلام يختلب |
فاعتذر عن سرعة تعلقه بها واختلابها عقله بكرم عقله وصحة إسلامه فإن كل ذلك من أسباب جودة الرأي ورقة القلب فلا عجب أن يكون سريع التأثر منها.
ومعنى صدور الخداع من جانبهم للمؤمنين ظاهر ، وأما مخادعتهم الله تعالى المقتضية أن المنافقين قصدوا التمويه على الله تعالى مع أن ذلك لا يقصده عاقل يعلم أن الله مطلع على الضمائر والمقتضية أن الله يعاملهم بخداع ، وكذلك صدور الخداع من جانب المؤمنين للمنافقين كما هو مقتضى صيغة المفاعلة مع أن ذلك من مذموم الفعل لا يليق بالمؤمنين فعله فلا يستقيم إسناده إلى الله ولا قصد المنافقين تعلقه بمعاملتهم لله كل ذلك يوجب تأويلا في معنى المفاعلة الدال عليه صيغة (يُخادِعُونَ) أو في فاعله المقدر من الجانب الآخر وهو المفعول المصرح به.
فأما التأويل في (يُخادِعُونَ) فعلى وجوه :
أحدها : أن مفعول خادع لا يلزم أن يكون مقصودا للمخادع ـ بالكسر ـ إذ قد يقصد خداع أحد فيصادف غيره كما يخادع أحد وكيل أحد في مال فيقال له أنت تخادع فلانا وفلانا تعني الوكيل وموكّله ، فهم قصدوا خداع المؤمنين لأنهم يكذّبون أن يكون الإسلام من عند الله فلما كانت مخادعتهم المؤمنين لأجل الدّين كان خداعهم راجعا لشارع ذلك الدين ، وأمّا تأويل معنى خداع الله تعالى والمؤمنين إياهم فهو إغضاء المؤمنين عن بوادرهم وفلتات ألسنهم وكبوات أفعالهم وهفواتهم الدال جميعها على نفاقهم حتى لم يزالوا يعاملونهم معاملة المؤمنين فإن ذلك لما كان من المؤمنين بإذن الرسول صلىاللهعليهوسلم حتى لقد نهى من استأذنه في أن يقتل عبد الله بن أبي ابن سلول ، كان ذلك الصنيع بإذن الله فكان مرجعه إلى الله ، ونظيره قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) في سورة النساء [١٤٢] ، كما رجع إليه خداعهم للمؤمنين ، وهذا تأويل في المخادعة من جانبيها ، كل بما يلائمه.
الثاني : ما ذكره صاحب «الكشاف» أن (يُخادِعُونَ) استعارة تمثيلية تشبيها للهيئة الحاصلة من معاملتهم للمؤمنين ولدين الله ، ومن معاملة الله إياهم في الإملاء لهم والإبقاء