عندنا ، وبه قال الزهري من التابعين.
القول الثاني : إن الإيمان هو الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان بالشهادتين للإقرار بذلك الاعتقاد فيكون الإيمان منقولا شرعا لهذا المعنى فلا يعتد بالاعتقاد شرعا إلا إذا انضم إليه النطق ونقل هذا عن أبي حنيفة ونسبه النووي إلى جمهور الفقهاء والمحدّثين والمتكلمين ونسبه الفخر إلى الأشعري وبشر المريسي ، ونسبه الخفاجي إلى محققي الأشاعرة واختاره ابن العربي ، قال النووي وبذلك يكون الإنسان من أهل القبلة.
قلت ولا أحسب أن بين هذا والقول الأول فرقا وإنما نظر كل قيل إلى جانب ، فالأول نظر إلى جانب المفهوم والثاني نظر إلى الاعتداد ولم يعتنوا بضبط عباراتهم حتى يرتفع الخلاف بينهم وإن كان قد وقع الخلاف بينهم في أن الاقتصار على الاعتقاد هل هو منج فيما بين المرء وبين ربه أو لا بد من الإقرار؟ حكاه البيضاوي في «التفسير» ومال إلى الثاني ويؤخذ من كلامهم أنه لو ترك الإقرار لا عن مكابرة كان ناجيا مثل الأخرس والمغفل والمشتغل شغلا اتصل بموته. واحتجوا بإطلاق الإيمان على الإسلام والعكس في مواضع من الكتاب والسنة ، قال تعالى : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الذاريات : ٣٥ ، ٣٦] وفي حديث وفد عبد القيس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لهم : «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة» إلخ وهذه أخبار آحاد فالاستدلال بها في أصل من الدين إنما هو مجرد تقريب على أن معظمها لا يدل على إطلاق الإيمان على حالة ليس معها حالة إسلام.
القول الثالث : قول جمهور السلف من الصحابة والتابعين أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل ذلك أنهم لكمال حالهم ومجيئهم في فاتحة انبثاق أنوار الدين لم يكونوا يفرضون في الإيمان أحوالا تقصر في الامتثال ، ونسب ذلك إلى مالك وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والأوزاعي وابن جريج والنخعي والحسن وعطاء وطاوس ومجاهد وابن المبارك والبخاري ونسب لابن مسعود وحذيفة وبه قال ابن حزم من الظاهرية وتمسك به أهل الحديث لأخذهم بظاهر ألفاظ الأحاديث ، وبذلك أثبتوا الزيادة والنقص في الإيمان بزيادة الأعمال ونقصها لقوله تعالى : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) [الفتح : ٤] إلخ. وجاء في الحديث : «الإيمان بضع وسبعون شعبة» فدل ذلك على قبوله للتفاضل. وعلى ذلك حمل قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» أي ليس متصفا حينئذ بكمال الإيمان.