بالتحريض عليه ؛ فمن الإنفاق ما هو واجب وهو حق على صاحب الرزق ، للقرابة وللمحاويج من الأمة ونوائب الأمة كتجهيز الجيوش والزكاة ، وبعضه محدد وبعضه تفرضه المصلحة الشرعية الضرورية أو الحاجية وذلك مفصل في تضاعيف الأحكام الشرعية في كتب الفقه ، ومن الإنفاق تطوع وهو ما فيه نفع من دعا الدين إلى نفعه.
وفي إسناده فعل (رزقنا) إلى ضمير الله تعالى وجعل مفعوله ضمير (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) تنبيه على أن ما يصير الرزق بسببه رزقا لصاحبه هو حق خاص له خوّله الله إياه بحكم الشريعة على حسب الأسباب والوسائل التي يتقرر بها ملك الناس للأموال والأرزاق ، وهو الوسائل المعتبرة في الشريعة التي اقتضت استحقاق أصحابها واستئثارهم بها بسبب الجهد مما عمله المرء بقوة بدنه التي لا مرية في أنها حقه مثل انتزاع الماء واحتطاب الحطب والصيد وجني الثمار والتقاط ما لا ملك لأحد عليه ولا هو كائن في ملك أحد ، ومثل خدمته بقوته من حمل ثقل ومشي لقضاء شئون من يؤجره وانحباس للحراسة ، أو كان مما يصنع أشياء من مواد يملكها وله حق الانتفاع بها كالخبز والنسج والتّجر وتطريق الحديد وتركيب الأطعمة وتصوير الآنية من طين الفخار ، أو كان مما أنتجه مثل الغرس والزرع والتوليد ، أو مما ابتكره بعقله مثل التعليم والاختراع والتأليف والطب والمحاماة والقضاء ونحو ذلك من الوظائف والأعمال التي لنفع العامة أو الخاصة ، أو مما أعطاه إياه مالك رزق من هبات وهدايا ووصايا ، أو أذن بالتصرف كإحياء الموات ، أو كان مما ناله بالتعارض كالبيوع والإجارات والأكرية والشركات والمغارسة ، أو مما صار إليه من مال انعدم صاحبه بكونه أحقّ الناس به كالإرث. وتملك اللّقطة بعد التعريف المشروط ، وحق الخمس في الركاز. فهذه وأمثالها مما شمله قول الله تعالى : (مِمَّا رَزَقْناهُمْ).
وليس لأحد ولا لمجموع الناس حق فيما جعله الله رزق الواحد منهم لأنه لا حق لأحد في مال لم يسع لاكتسابه بوسائله وقد جاءت هند بنت عقبة زوج أبي سفيان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : «إن أبا سفيان رجل مسّيك فهل أنفق من الذي له عيالنا فقال لها : «لا إلا بالمعروف» أي إلا ما هو معروف أنه تتصرف فيه الزوجة مما في بيتها مما وضعه الزوج في بيته لذلك دون مسارقة ولا خلسة.
وتقديم المجرور المعمول على عامله وهو (يُنْفِقُونَ) لمجرد الاهتمام بالرزق في عرف الناس فيكون في التقديم إيذان بأنهم ينفقون مع ما للرزق من المعزّة على النفس كقوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) [الإنسان : ٨] ، مع رعي فواصل الآيات على