وفي الحديث : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» أي دع الفعل الذي يقربك من الشك في التحريم إلى فعل آخر لا يدخل عليك في فعله شك في أنه مباح.
ولم يختلف متواتر القراء في فتح (لا رَيْبَ) نفيا للجنس على سبيل التنصيص وهو أبلغه لأنه لو رفع لاحتمل نفي الفرد دون الجنس فإن كان الإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى الحروف المجتمعة في (الم) على إرادة التعريض بالمتحدّين وكان قوله : (الْكِتابُ) خبرا لاسم الإشارة على ما تقدم كان قوله : (لا رَيْبَ) نفيا لريب خاص وهو الريب الذي يعرض في كون هذا الكتاب مؤلفا من حروف كلامهم فكيف عجزوا عن مثله ، وكان نفي الجنس فيه حقيقة وليس بادعاء ، فتكون جملة (لا رَيْبَ) منزّلة منزلة التأكيد لمفاد الإشارة في قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ) وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون المجرور وهو قوله : (فِيهِ) متعلقا بريب على أنه ظرف لغو فيكون الوقف على قوله : (فِيهِ) ، وهو مختار الجمهور على نحو قوله تعالى : (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ) [الشورى : ٧] وقوله : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) [آل عمران : ٩] ويجوز أن يكون قوله : (فِيهِ) ظرفا مستقرا خبرا لقوله بعده : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ومعنى «في» هو الظرفية المجازية العرفية تشبيها لدلالة اللفظ باحتواء الظرف فيكون تخطئة للذين أعرضوا عن استماع القرآن فقالوا : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) [فصلت : ٢٦] استنزالا لطائر نفورهم كأنه قيل هذا الكتاب مشتمل على شيء من الهدى فاسمعوا إليه ولذلك نكر الهدى أي فيه شيء من هدى على حد قول النبي صلىاللهعليهوسلم لأبي ذر : «إنك امرؤ فيك جاهلية» ويكون خبر (لا) محذوفا لظهوره أي لا ريب موجود ، وحذف الخبر مستعمل كثيرا في أمثاله نحو : (قالُوا لا ضَيْرَ) [الشعراء : ٥٠] وقول العرب لا بأس ، وقول سعد بن مالك :
من صد عن نيرانها |
|
فأنا ابن قيس لا براح |
أي لا بقاء في ذلك ، وهو استعمال مجازي فيكون الوقف على قوله : (لا رَيْبَ) وفي «الكشاف» أن نافعا وعاصما وقفا على قوله : (رَيْبَ).
وإن كانت الإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى (الْكِتابُ) باعتبار كونه كالحاضر المشاهد وكان قوله (الْكِتابُ) بدلا من اسم الإشارة لبيانه فالمجرور من قوله : (فِيهِ) ظرف لغو متعلق بريب وخبر لا محذوف على الطريقة الكثيرة في مثله ، والوقف على قوله (فِيهِ) ، فيه معنى نفي وقوع الريب في الكتاب على هذا الوجه نفي الشك في أنه منزل من الله تعالى لأن المقصود خطاب المرتابين في صدق نسبته إلى الله تعالى وسيجيء خطابهم