أن هذا لا يتأتى في جميعها نحو كهيعص والمص والر ولو لا غرابة هذا القول لكان حريا بالإعراض عنه.
النوع الثالث تندرج فيه الأقوال الراجعة إلى أن هاته الحروف حروف هجاء مقصودة بأسمائها لأغراض داعية لذلك وفيه من الأقوال :
القول الثالث عشر : أن هاته الحروف أقسم الله تعالى بها كما أقسم بالقلم تنويها بها لأن مسمياتها تألفت منها أسماء الله تعالى وأصول التخاطب والعلوم قاله الأخفش ، وقد وهن هذا القول بأنها لو كانت مقسما بها لذكر حرف القسم إذ لا يحذف إلا مع اسم الجلالة عند البصريين وبأنها قد ورد بعدها في بعض المواضع قسم نحو : (ن وَالْقَلَمِ) [القلم : ١] و (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) [الزخرف : ١] ، قال صاحب الكشاف : وقد استكرهوا الجمع بين قسمين على مقسم واحد حتى قال الخليل في قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) [الليل : ١ ، ٢] أن الواو الثانية هي التي تضم الأسماء للأسماء أي واو العطف ، والجواب عن هذا أن اختصاص الحذف باسم الجلالة مختلف فيه وأن كراهية جمع قسمين تنفع بجعل الواو التالية لهاته الفواتح واو العطف على أنهم قد جمعوا بين قسمين ، قال النابغة :
والله والله لنعم الفتى ال |
|
حارث لا النكس ولا الخامل |
القول الرابع عشر : أنها سيقت مساق التهجي مسرودة على نمط التعديد في التهجية تبكيتا للمشركين وإيقاظا لنظرهم في أن هذا الكتاب المتلو عليهم وقد تحدوا بالإتيان بسورة مثله هو كلام مؤلف من عين حروف كلامهم كأنه يغريهم بمحاولة المعارضة ويستأنس لأنفسهم بالشروع في ذلك بتهجي الحروف ومعالجة النطق تعريضا بهم بمعاملتهم معاملة من لم يعرف تقاطيع اللغة ، فيلقنها كتهجي الصبيان في أول تعلمهم بالكتّاب حتى يكون عجزهم عن المعارضة بعد هذه المحاولة عجزا لا معذرة لهم فيه ، وقد ذهب إلى هذا القول المبرد وقطرب والفراء ، قال في «الكشاف» وهذا القول من القوة والخلافة بالقبول بمنزلة ، وقلت وهو الذي نختاره وتظهر المناسبة لوقوعها في فواتح السور أن كل سورة مقصودة بالإعجاز لأن الله تعالى يقول : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] فناسب افتتاح ما به الإعجاز بالتمهيد لمحاولته ويؤيد هذا القول أن التهجي ظاهر في هذا المقصد فلذلك لم يسألوا عنه لظهور أمره وأن التهجي معروف عندهم للتعليم فإذا ذكرت حروف الهجاء على تلك الكيفية المعهودة في التعليم في مقام غير صالح للتعليم عرف السامعون