ثم انه بعد وصول الكلام الى هذا المقام وفق الله للوقوف على كلام بعض مشايخنا الكرام من متأخري المتأخرين الاعلام يؤذن بحمل الأخبار المطلقة في وجوب الإتمام بمجرد وصول الملك على التقية ، قال لأن عامة العامة على ما نقل عنهم ذهبوا الى ان المسافر إذا ورد في أثناء سفره منزلا له أتم فيه سواء استوطنه أم لا حتى قال بعضهم بالإتمام في منازل أهله وعشيرته ولم يظهر من أحد منهم القول باشتراط دوام الاستيطان (١).
أقول : ومن الأخبار التي يجب حملها على التقية بناء على ما ذكره شيخنا المشار إليه صحيحة البقباق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المسافر ينزل على بعض أهله يوما أو ليلة أو ثلاثا قال ما أحب ان يقصر الصلاة».
وقد حملها الشيخ على الاستحباب الذي مرجعه الى التخيير بين القصر والإتمام وحملها بعض على الاستيطان بشرائطه أو على انه يستحب أن يقيم عشرا. والظاهر بعد الجميع بل الأظهر هو الحمل على التقية لما عرفت ، وعلى ذلك تحمل جملة تلك الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب الإتمام بمجرد وصول الملك ، وتعضده الأخبار الدالة على انه لا يجوز الإتمام فيها إلا مع نية إقامة العشرة وإلا فالواجب التقصير ، لأنك قد عرفت ان تقييدها بهذه الأخبار كما ذكره الصدوق وان أمكن في بعض إلا انه لا يمكن في بعض آخر كالأخبار الدالة على وجوب الإتمام مع الجلوس فيها يوما أو يومين أو ثلاثة ، وحينئذ فلم يبق إلا حملها جميعا على التقية التي هي في اختلاف الأخبار أصل كل بلية ، وهو محمل جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه
__________________
(١) في المغني ج ٢ ص ٢٩٠ : إذا مر في طريقه على بلد فيه أهل أو مال قال أحمد في موضع يتم وقال في موضع يتم إلا أن يكون مارا وهو قول ابن عباس ، وقال الزهري إذا مر بمزرعة له أتم ، وقال إذا مر بقرية له فيها أهله أو ماله أتم إذا أراد ان يقيم بها يوما وليلة ، وقال الشافعي وابن المنذر يقصر ما لم يجمع على إقامة أربعة لأنه مسافر لم يجمع على أربع.
(٢) الوسائل الباب ١٩ من صلاة المسافر.