حجّية الاستصحاب في الشكّ في المقتضي
ذهب بعضهم إلى عدم حجّيته في خصوص الشكّ في المقتضي دون الرافع ، ولإيضاح الفرق بين الشكّين نقول :
كلُّ حكم أو موضوع لو ترك لبقي على حاله إلى أن يرفعه الرافع فالشكّ فيه شكّ في الرافع ، وأمّا كلّ حكم أو موضوع لو ترك لزال بنفسه وإن لم يرفعه الرافع فالشك فيه من قبيل الشكّ في المقتضي ، فمثلاً وجوب الصلاة والصوم والحجّ من التكاليف التي لا ترفع إلّا برافع ، وذلك لأنّ الوجوب الجزئي منه لا يُرفع إلّا بالامتثال ، وأمّا الوجوب الكلي فبالنسخ ، فالشكّ في الامتثال في مورد الحكم الجزئي ، أو الشكّ في النسخ في مورد الحكم الكلي ، شك في الرافع ، لإحراز المقتضي لبقائه.
وهذا بخلاف ما لو شكّ في بقاء الخيار في الآونة المتأخرة ، كالخيار المجعول للمغبون بعد علمه بالغبن وتمكّنه من إعمال الخيار ، إذا لم يفسخ ، فيشكّ في بقاء الخيار ، لأجل الشكّ في اقتضائه للبقاء بعد العلم والمساهلة في إعماله ، ومثله الشكّ في بقاء النهار إذا كانت في السماء غيوم ، فالشكّ في تحقّق الغروب يرجع إلى طول النهار وقصره ، فالشكّ فيه شكّ في المقتضي.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه استدل القائل بعدم حجّية الاستصحاب في الشكّ في المقتضي بدليل مبني على أمرين :
الأوّل : أنّ حقيقة النقض هي رفع الهيئة الاتصالية ، كما في قوله نقضت الحبل ، قال سبحانه : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) (١).
الثاني : أنّ إرادة المعنى الحقيقي ممتنعة في المقام لعدم اشتمال اليقين على
__________________
(١). النحل : ٩٢.