فيصف المخالف بقوله «فردّوه» (١) ، أو «فليس منّا» (٢) ، أو «فهو باطل» (٣) ، فانّ هذه التعابير تناسب كون الخبر المخالف ممّا لم يصدر عن الأئمّة بتاتاً فيكون من قبيل تقديم الحجّة على اللاحجّة فيخرج عن محط البحث.
٤. الترجيح بمخالفة العامة
تضافرت الروايات على أنّه إذا اختلفت الأخبار ، يُقدّم ما خالف العامة ، وما ذلك إلّا لأنّ الظروف القاسية دفعت بالأئمة إلى الإفتاء وفق مذاهبهم صيانة لدمائهم وصيانة نفوس شيعتهم ، ولذلك جعل ما يشبه قولهم ممّا فيه التقية. (٤)
وإليك نقل ما ورد في هذا المجال :
١. ما رواه عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في مقبولته : جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفاً لهم بأي الخبرين يؤخذ؟
قال : «ما خالف العامة ففيه الرَّشاد».
فقلت : جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعاً؟
قال : «ينظر إلى ما هم إليه أميل ، حكامهم وقضاتهم ، فيترك ويؤخذ بالآخر». (٥)
وقد مرّ آنفاً انّ صدر الحديث وإن كان راجعاً إلى ترجيح حكم أحد القاضيين على حكم الآخر ، لكن بعد ما فرض الراوي مساواة القاضيين من حيث الصفات ارجع الإمام السائل إلى ملاحظة مصدر فتواهما ، وانّه يقدم قضاء من حكم بخبر مجمع عليه بين الأصحاب على من قضى بمصدر شاذ ...
ومن هنا انحدر كلام الإمام من بيان مرجّحات الحكمين إلى مرجّحات
__________________
(١ ، ٢ ، ٣ ، ٤). قد مضت هذه العنوانات في الأحاديث الآنفة الذكر.
(٥). الوسائل : ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٦.