اعتقد الكافرون من قبل بني الله نوح : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) ـ ٢٤ المؤمنون. فأقسم النبي ان دعوته دعوة الحق ، ومعنى هذا انه لا يريد إلا الحق. ومثله قول شعيب لقومه حين ظنوا به ظن السوء : (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) ٨٨ هود.
(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا). ما دام البعث حقا ، والحساب والجزاء حقا فعلى كل انسان أن يؤمن بالله ورسوله والنور أي القرآن ، وانما وصفه سبحانه بالنور لأنه يخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر الى نور العلم والايمان ، ويهديهم الى سبيل السلام : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ١٦ المائدة. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ). يحصي الله سبحانه على عباده أقوالهم وأفعالهم وأهدافهم ومقاصدهم في الحياة الدنيا ، ويعاملهم يوم القيامة بحسبها ، ان خيرا فخير ، وان شرا فشرّ. وسمي اليوم الآخر بيوم الجمع حيث يجمع الله فيه الخلائق للحساب والجزاء ، وبيوم التغابن أيضا حيث يربح المحق نفسه ، ويخسرها المبطل.
(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). بعد أن ذكر سبحانه أنه جامع الناس ليوم لا ريب فيه ـ قال : ان الناس في هذا اليوم نوعان : الأول آمن بالله ورسله وكتبه ، وتزود الأعمال الصالحة من دنياه لآخرته ، وهذا النوع من الناس يفوز غدا بمغفرة الله ورضوانه ، وبنعيم لا ينتهي أمده. ولا ينقص مدده. والنوع الثاني ضالتّه الدنيا يطلبها انّى كانت وتكون غير مكترث بدين أو ضمير ، ولا بحلال أو حرام ، وهذا النوع في الآخرة من الخاسرين ، مأواه جهنم وساءت مصيرا.
(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ). يدل ظاهر الآية ان كل شر في الدنيا هو بقضاء الله وقدره .. وهذا يتنافي مع قوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) ـ ٣٠ الشورى. وأجبنا عن هذا مفصلا عند تفسير