النصف من الليل أو أقل منه أو أكثر بقليل .. ولا فرق من حيث المعنى بين الإعرابين لأن البدل هو بدل كل من كل سواء أكان من المستثنى أم من المستثنى منه. واستنتج كثير من المفسرين من كلمة «قليل» في الآية ، استنتجوا ان لا يتجاوز النقص حد الثلث ، والزيادة حد الثلثين ، وعليه يكون التخيير بين النصف والثلث والثلثين ، والآية ٢٠ من هذه السورة نصت على هذه الأوقات الثلاثة.
(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً). الخطاب للرسول (ص) والمقصود العموم ، والمعنى تمهل ولا تسرع في التلاوة ، فإن الغرض من قراءة القرآن ان يتدبر القارئ معانيه ومراميه ، وينتفع بأحكامه وعظاته وبوعده ووعيده ، فيشعر بالخوف من العذاب الأليم على المعصية ، وبالأمل في الثواب الجزيل على الطاعة ، وإلا فإن مجرد حركة اللسان وإخراج الحروف مخارجها ـ غير مقصود بالذات.
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً). القرآن ثقيل بكل ما في هذه الكلمة من معنى ، هو ثقيل في إعجازه وخلوده ، وفي عقيدته وشريعته ، وفي حربه ونضاله ضد الأقوياء المفسدين والطغاة المترفين ، وقال كثير من المفسرين : «القرآن ثقيل لأن تكاليفه شاقة مثل المحافظة على الصلوات الخمس ، والقيام آخر الليل لصلاة الفجر ، والوضوء بالماء البارد مرارا ، والاغتسال به أحيانا ، وكالصوم في أيام الحر ، والقيام للسحور من آخر الليل ، وكالحج ومشتقاته من الإحرام والسعي والطواف».
وليس من شك ان هذه كبيرة إلا على الخاشعين ، ولكن أكبر منها وأثقل التكليف بالجهاد ، وهو على أنواع ، وأثقل أنواعه الجهاد لتغيير القلوب والمشاعر ، والقضاء على العقائد الفاسدة والتقاليد الموروثة ، واستئصال الفساد من جذوره ، وهذا ما كلف به أبو القاسم محمد بن عبد الله : فلقد بعثه الله سبحانه ليتمم مكارم الأخلاق للبشرية كلها ، ويخرج الناس من الظلمات الى النور ، وأي تكليف أثقل وأشق من هذا التكليف؟ ومن الذي يستطيع أن يغير من أخلاق زوجته وولده بخاصة في عصر الجاهلية أفسد العصور وأكثرها فسادا وطغيانا؟ ولكن