وتسأل : ان الله سبحانه حكى عنهم في الآية ٢٤ من هذه السورة انهم نفوا البعث بلسان الجزم كما يدل قولهم : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) ثم حكى عنهم هنا انهم يظنون ظنا وما هم بمستيقنين أي انهم لا يجزمون في أمر البعث سلبا ولا إيجابا ، فكيف تجمع بين الآيتين؟.
قال الرازي : يغلب على الظن انهم كانوا فريقين : فريقا كان جازما بنفي البعث ، وآخر كان شاكا فيه .. أما نحن فيغلب على ظننا انهم فريق واحد ، وان معنى الآيتين واحد ايضا ، وهو انهم لا يؤمنون بالبعث لأنه لا دليل بزعمهم يوجب اليقين به ، وانما هو غيب في غيب.
(وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ). زرعوا في الدنيا الجرائم والآثام ، فحصدوها وجنوا ثمارها في الآخرة ، وسخروا من جهنم وعذابها فكانوا لها حطبا (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) جحدوا يوم القيامة وسخروا منه وممن آمن به ، فأمهلهم الله في ذلك ولم يشملهم برحمته ، بل أذاقهم عذاب ذاك اليوم ، وأراهم سبحانه من قدرته وسطوته فيه ما كانوا به يمترون. وتقدم مثله في الآية ٥١ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٣٦.
(ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا). ذلكم إشارة الى العذاب ، والمعنى ان السبب الموجب لعذابهم هو كفرهم باليوم الآخر ، وإعراضهم عن القرآن ، واستخفافهم بآياته حين يتلى عليهم ، واطمئنانهم الى الدنيا وزينتها (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ). ضمير منها يعود الى النار ، والمعنى انهم خالدون فيها ، ولا يطلب منهم أن يسترضوا الله بقول أو فعل ، لأن الآخرة دار حساب وجزاء لا دار عمل واسترضاء.
(فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ). احمدوا الله وحده لأنه خالق كل شيء (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). والمراد بكبريائه تعالى انه لا كبير يخاف ويرجى إلا هو وحده ، وقد وصف الإمام علي (ع) العارفين بالله ، وصفهم بقوله : عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يقهره شيء (الْحَكِيمُ) في تدبير خلقه.