والفيء عند كثير من الفقهاء ان الغنيمة مال كسبه المسلمون من أهل الكفر بإيجاف خيل وركاب أي بحرب وقتال ، أما الفيء فهو مال حصل بلا قتال وجهاد ، ومهما يكن فإن الآية التي نحن بصددها خاصة بأموال بني النضير لأن الضمير في «منهم» يعود اليهم ، وبناء عليه يكون المعنى ان أموال بني النضير قد جعلها الله فيئا لرسوله يضعها حيث يشاء ، ولا شيء منها للمسلمين لأنهم ما تحملوا في سبيلها أية مشقة (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ). ومن هذا التسليط انه تعالى ألقى الرعب والخوف من رسول الله (ص) في قلوب بني النضير كي يخضعوا لأمره صاغرين من غير حرب وقتال (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). ومن هذا الشيء ان يخضع أرباب الحصون والعدة والعدد لعبد من عباده تعالى.
(ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). المراد بأهل القرى هنا غير بني النضير من الكفرة ، والمعنى ان مال الفيء ـ غير مال بني النضير ـ هو لله وللرسول الخ. وبديهة ان ما كان لله فهو لرسوله ، واتفقوا قولا واحدا إلا من شذ على ان المراد بذي القربى قربى رسول الله (ص) من بني هاشم ، أما اليتامى والمساكين وابن السبيل فقال الامامية : المراد بهم أيتام بني هاشم ومساكينهم وابن السبيل منهم خاصة. وقال غيرهم : بل كل يتيم ومسكين وابن السبيل من المسلمين هاشميا كان أم غير هاشمي (١). وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ـ ٤١ الأنفال ج ٣ ص ٤٨٢.
(كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ). الإسلام نظام إلهي انساني يراعي مصلحة الجميع دون استثناء لفرد أو فئة ، فلا يحل مشكلة انسان على حساب
__________________
(١). قيل : المراد بقوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) هو عين المراد بقوله : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ). وقيل : المراد به الجزية والخراج. وقيل : كل غنيمة أيا كان مصدرها. وقيل : انه منسوخ بآية ٤١ من الانفال. وقيل غير ذلك. والذي ذكرناه من تخصيص الاية الاولى بأموال بني النضير ، والاية الثانية بالفيء غير اموال بني النضير هو أرجح التفاسير في رأينا. والله اعلم بما أراد.