كمبوديا ولاوس وفيتنام وغواتيمالا والشرق الأوسط ، ما هذه الويلات وغيرها إلا نتيجة تسلح قوى الشر بالحديد ، واستخدامه ضد الشعوب والحركات التحررية.
وبهذا ندرك السر لقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ). انه سبحانه خلق الحديد ليمحص به عباده ، ويمتحن ما في قلوبهم من خير وشر ، ويظهره علنا إلى عالم الوجود والعيان كي يميز الخبيث الذي يتخذ من القوة أداة لأهوائه وأغراضه ، يميزه من الطيب الذي يرى القوة نعمة من الله فيستغلها لمنفعة الناس شكرا لله على نعمته (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ينتقم من الطغاة الظلمة بأيدي المحقين الذين لا يبتغون من هذه الحياة إلا الحرية والعدل والعيش مع الجميع في هدوء وأمان .. ونحمد الله سبحانه على ان الثورة على الظلم تقوم اليوم في كل طرف من أطراف الأرض ، وليس من شك ان هذه الثورات قوة إلهية ، لا مرد لها ما دامت تبتغي الحق والعدل .. أما جزاء الطغاة في الآخرة فجهنم وبئس المصير.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ). أرسل سبحانه كلا من نوح وإبراهيم داعيا إلى الحق ، فبلغ رسالات ربه ، وجاهد في الله أعداءه ، وكان من أمر نوح ما تقدم في سورة هود الآية ٥ ـ ٤٩ ومن أمر ابراهيم ما جاء في سورة الأنبياء الآية ١ ـ ٧٤ (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ). ضمير منهم يعود الى ذريتهما ، وكان البعض من هذه الذرية من الطيبين ، أما أكثرهم أو الكثير منهم فكان بلا دين ولا ضمير تماما شأن أبناء علماء الدين (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا). أرسل سبحانه بعد نوح وابراهيم كثيرا من الرسل ، منهم هود وصالح وموسى (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ). توالت الرسل حتى انتهوا الى عيسى (ع) ، ومعه الإنجيل ، وكان فيه آنذاك الهدى والنور (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) وهم الذين أطاعوا السيد المسيح وعملوا بتعاليمه نصا وروحا ، وما حرفوها على ما تهوى أنفسهم. وتومئ الى ذلك كلمة (اتَّبَعُوهُ). أنظر تفسير الآية ٨٢ من سورة المائدة ج ٣ ص ١١٤.