(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ). أبدا لا نجاة لكم من لقاء الله ، ولا مهرب من أرضه وسمائه إلا ان تفروا من الله إلى الله بتوفيق منه إلى التوبة والاقلاع عن الذنب ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : (إِلَّا بِسُلْطانٍ) لأن التوبة والانقطاع اليه تعالى قوة وحصن يقي التائب المخلص من غضب الله وعذابه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ أبقدرته عليكم ام بتحذيره وإنذاره ام بغير ذلك؟.
(يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ). قالوا : الشواظ لهب بلا دخان ، والنحاس هنا دخان بلا لهب ، ومهما يكن فإن المعنى المحصل من الآية هو الاشارة إلى أهوال الساعة وآلامها ، وان المجرم لا خلاص له من هذه الآلام والأهوال بشفيع ولا ناصر (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ أبعذاب من طغى وبغى أم بماذا؟ (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ). تذوب السماء بما فيها من كواكب كما يذوب الدهن على النار ، ويصبح لون هذا السائل كحمرة الورد .. والغرض من هذا التشبيه وما اليه مما جاء في سائر الآيات هو الاشارة الى خراب الكون ودماره يوم تقوم الساعة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ ومن أظلم وأشقى ممن كذّب بالصدق وتعالى على الحق؟.
(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ). وإذا عطفنا على هذه الآية قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) ـ ٢٤ الصافات إذا فعلنا ذلك تبين لنا ان في يوم القيامة مواقف يسأل الناس في بعضها عما كانوا يعملون ، وفي بعضها لا سؤال ولا جواب بل انتظارا للسؤال والحساب أو بعد الفراغ منه. انظر تفسير الآية ٦٥ من سورة يس ج ٦ ص ٣٢١ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ أبموقف العرض للحساب أم بموقف الانتظار له؟ وكلاهما ضنك وأليم ، ما في ذلك ريب .. ولكن الجزاء نعمة من الله حيث (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ). يؤخذ مبني للمجهول ، وبالنواصي مفعول نائب عن الفاعل وهم ملائكة العذاب ، والمعنى ان للمجرمين علامات تدل عليهم وتميزهم عن الصالحين ، وفوق ذلك تجمع ملائكة العذاب نواصيهم الى أقدامهم بالقيود والأغلال ، ويسحبونهم في النار على وجوههم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) من المواعظ والزواجر.