وليس في قولنا هذا جرأة وسوء أدب لأنه جل جلاله هو القائل : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) ـ ٥٣ فصلت. ونفس الإنسان وما في الآفاق من الكائنات هي من المشاهد المحسوسة الدالة على وجوده تعالى ، وبها يظهر الحق الذي لا ريب فيه ، ومن تتبع آي الذكر الحكيم يجد نفسه أمام العديد من هذه الآيات الكونية التي تدعو إلى الايمان بالله عن طريق المعرفة التي هي ثمرة الحس والعقل ، من ذلك قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) ـ ١٨٤ الأعراف أي شيء محسوس وملموس.
ان الايمان بالله ايمان بما لا تراه العين ولا تلمسه اليد ، ولكن هذا الايمان تفرضه وتحتمه المرئيات والملموسات ، تماما كما يؤمن الطبيب العارف بوجود نوع من المرض في الجسم السقيم ، ويحدد ماهيته بمجرد أن يلمس الجسم أو ينظر اليه دون أن يرى الميكروب الذي تولد منه المرض .. وما من أحد مؤمنا كان أو ملحدا إلا وهو يؤمن ايمانا قاطعا بأشياء كثيرة لا تقع تحت الحس لأن هذا الايمان يحتمه الحس بالذات ، والذين يعتمدون على التجربة يعنون بها الاستدلال من شيء تدركه الحواس.
(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ). قوله : (رِزْقُكُمْ) على حذف مضاف أي أسباب رزقكم كالمطر وما اليه ، وقديما قيل : لو لا السماء لما كان للناس بقاء. واختلفوا في تفسير (وَما تُوعَدُونَ) فمن القائل : ان المراد به الجنة والنار ، وقائل : انه الخير والشر ، وقال ثالث : بل المراد ان الرزق مقسوم ومكتوب .. وفي رأينا ان المراد بما توعدون أسباب الرزق بالذات بدليل ان الله سبحانه أشار في الآية إلى ان في الأرض وفي أنفسنا آيات محسوسة ملموسة تدل على وجود الله وعظمته ، ثم عقب بعد ذلك بأن في السماء أيضا آيات محسوسة تدل عليه تعالى وعلى عظمته ، وبالبديهة ان الآيات السماوية المحسوسة هي المطر والكواكب وليست الجنة والنار وما اليهما.
(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ). قال الرازي : «الضمير في (انه) عائد الى القرآن. فكأنه قال : ان القرآن لحق نطق به