المعنى :
(وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). أي يرجع المسلمون عن الإسلام ، وتشير الآية الى خدعة تواطأ عليها جماعة من رؤساء أهل الكتاب ، وخلاصتها أن يظهروا الإسلام أول النهار ، ويرتدوا عنه في آخره عسى أن يقع بعض ضعاف النفوس والعقول من المسلمين في الشك والبلبلة ، ويقول لولا ما ظهر لهم من عدم صدق محمد (ص) لم يكفروا بعد أن آمنوا به ..
وتسأل : هل نفذوا هذه الحيلة التي تواطئوا عليها ، أو ان الله سبحانه أخبر نبيه وفضحهم قبل أن يقدموا على التنفيذ؟
الجواب : ان كل ما دلت عليه الآية انهم قالوا ، أما وقوفهم عند حد القول ، أو تجاوزهم عنه إلى الفعل فقد سكتت عنه ، ونحن أيضا نسكت عما سكت الله عنه .. وعليه فلا وجه لما جاء في كثير من التفاسير انهم صلوا مع النبي صلاة الصبح ، ثم رجعوا آخر النهار ، وصلوا صلاتهم ، ليرى الناس انه قد بدت لهم ضلالة الدين. اللهم الا أن يصح النقل بذلك.
(وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ). كثيرا ما يساء فهم هذه الآية ، ويستشهد بها على انها من كلام الله سبحانه ، لا من كلام اليهود ، بل سمعت أكثر من واحد يلفظ بها (ولا تأمنوا) معتقدا ان الله سبحانه أراد بهذه الآية أن لا نأتمن إلا من كان على ديننا.
والصحيح ان الآية بقية من كلام المعاندين الماكرين من أهل الكتاب .. وقد نقلها الله تعالى حكاية لكلامهم ، أي ان بعض أهل الكتاب قالوا لبعضهم الآخر : آمنوا أول النهار ، واكفروا في آخره ، وقالوا أيضا : (لا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ). والمراد من لا تؤمنوا ، الاطمئنان ، لا الأمانة ولا الاعتقاد ، وإلا تعدت بالباء لا باللام ، والمعنى ان بعض أهل الكتاب قال لبعض : لا تطمئنوا لأحد إلا لمن اتبع دينكم ، تماما كقوله تعالى : (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) ، أي يطمئن لهم.
(قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ). هذه جملة معترضة خاطب الله بها نبيه قبل أن ينتهي من حكاية أقوال أهل الكتاب ، والقصد من قوله : (الْهُدى هُدَى اللهِ)