ما من عاقل تام الإدراك ينكر الحق ، ويؤثر الباطل عليه إلا لهوى في نفسه ، أو شبهة في ذهنه ، أو لجهله بالدليل ، أو لخلل في عرض الدليل .. وبديهة ان أدلة الأنبياء كافية وافية على نبوتهم من جميع الجهات ، حتى دفع الأوهام والشبهات ، بحيث لا تبقي أدلتهم أية وسيلة لإنكار الحق إلا بالعناد والمكابرة .. والا لم يكن لله ولا لأنبيائه على الناس الحجة.
ومن بحث عن السبب الموجب لكيد من كاد للأنبياء ، وانكار من أنكر رسالتهم بعد أن رأوا ما رأوا من الآيات والمعجزات فلا يجد أي سبب لهذا الكيد والإنكار الا المنافع الشخصية ، والحرص على الجاه والمال .. والشواهد على هذه الحقيقة من الكتب السماوية والأحاديث النبوية لا تحصيها كثرة ، منها ان الطغاة المترفين من قوم هود النبي قاوموه لا لشيء الا لأنه قال لهم : (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) ـ ١٢٧ الشعراء».
وهدد شعيبا الأغنياء من قومه ، وقالوا له : (يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا .. وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) ٨٧ ـ ٩١ هود». أما ذنبه الأول والأخير فهو قوله : (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ، وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ـ ٨٥ هود». وكان قارون من أغنى قوم موسى ، وأقرب الناس اليه رحما ، ومع ذلك نصب العداء له ، حيث وعظه بقوله : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ .. وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) ـ ٧٩ القصص».
وكان عبد الله بن أبيّ من زعماء المدينة وأثريائها ، ولما هاجر الرسول اليها من مكة ثارت الغيرة في نفس ابن أبي ، وأسمع الرسول كلاما نابيا ، فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله لا يعرض في قلبك من قول هذا شيء ، فقد كنّا أجمعنا على أن نملّكه علينا ، وهو يرى الآن انك قد سلبته أمرا كان قد