(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ). بعد أن صمم اليهود على قتل عيسى ، ودبروا الأمر لذلك بشّره الله بنجاته منهم ، وإبطال مكرهم وكيدهم ، وانه لن يقتل ، ولن يصلب ، بل يتوفاه الله حين انتهاء أجله وفاة طبيعية ، وانه تعالى سينقله الى عالم لا يناله أحد فيه بأذى ، ولا سلطان فيه لأحد عليه سوى الله. وهذا هو معنى قوله تعالى : (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا). أي أبعدك عن ارجاسهم ، ودنس معاشرتهم ، وعما يريدونه بك من الشر.
(وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ). المراد بالتفوق هنا التفوق نفسا وكمالا ، لا التفوق سلطانا ومالا .. وليس من شك ان الذين آمنوا بعيسى أفضل وأكمل من الذين كذبوه.
(ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). لا يحتاج هذا الى تفسير ، لأن المعنى الظاهر هو المراد .. أجل ، ان ضمير الخطاب هنا يشمل الغائبين في كل زمان ومكان من الذين اختلفوا في السيد المسيح ، أو في صفة من صفاته.
(فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ). أما عذاب الكافر في الآخرة فمعلوم ، واما عذابه في الدنيا فلأنه دون المسلم في المرتبة في كثير من أحكام الشريعة الاسلامية ، منها ان الكافر تجوز غيبته دون المسلم ، ومنها ان الكافر يقتل بالمسلم ، والمسلم لا يقتل بالكافر ، بل لا دية له عند كثير من الفقهاء إلا إذا كان ذميا .. على ان دية الذمي دون دية المسلم بكثير.
(وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ). في الحديث ان الظالم والراضي بالظلم سواء ، وقال الإمام الباقر (ع) : الظلم ثلاثة : ظلم يغفره الله ، وظلم لا يغفره الله ، وظلم لا يدعه الله ، أما الظلم الذي لا يغفره الله فهو الشرك بالله ، وأما الظلم الذي لا يغفره الله فظلم الرجل نفسه بينه وبين ربه ، وأما الظلم الذي لا يدعه الله فالاعتداء على العباد .. وقال الإمام علي (ع) : ظلم الضعيف أفحش الظلم.
(ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ). ذلك إشارة الى ما أخبر الله به نبيّه من أنباء أم مريم ، ومريم ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، والحواريين ،