بلفظ «كلها في الجنة الا الزنادقة». ونحن على شك من هذا الحديث ، لأن الأصل عدم الأخذ بما ينسب الى الرسول (ص) حتى يثبت العكس .. ولكن إذا خيّرنا بين : كلها في النار ، وبين : كلها في الجنة ، نختار الجنة على النار .. أولا انها أقرب الى رحمة الله. ثانيا ان الفرق الإسلامية على أساس الاختلاف في الأصول لا تبلغ ٧٣ ، والاختلاف في الفروع لا يستدعي الدخول في النار ، لأن الخطأ فيها مغتفر إذا حصل مع التحفظ ، وبعد الجد والاجتهاد .. وما أبعد ما بين هذا الحديث المنسوب إلى النبي (ص) وقول ابن عربي في كتاب الفتوحات : لا يعذّب أحد من أمة محمد (ص) ببركة أهل البيت .. (أنظر تفسير الآية ٣٩ من سورة البقرة ، فقرة أهل البيت).
(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) .. كثيرا ما يبتلى العالم المحق بالمبطل اللجوج .. ولا دواء لهذا الا الإعراض عنه .. ومن خاصم المشاكس المشاغب شاركه في الإثم. قال الإمام علي (ع) : من بالغ في الخصومة أثم .. ومن أجل هذا ، أمر الله نبيه الكريم أن يترك المبطلين المعاندين وشأنهم ، حيث لا مزيد من البينات والبراهين ، «انما عليك وعلينا الحساب».
(قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي اليهود والنصارى (وَالْأُمِّيِّينَ) أي مشركي العرب ، ونسبهم الله الى الأمية لجهلهم بالقراءة والكتابة الا النادر (أَأَسْلَمْتُمْ) بعد ما جاءتكم البينات (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا). حيث لا شيء وراء الإسلام الا الكفر والضلال ، والا الزيغ والباطل (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ). وبالبلاغ تنتهي وظيفة الرسول عن الله ، إذ به تتم الحجة (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) يعامل كلا بما هو أهل له.
والذي نستفيده من هذه الآية ان الله سبحانه قد اختار محمدا (ص) لرسالته ، وانه قد رسم له منهجا لتبليغها ، وهو الدعوة بالحجة والبرهان ، مع ضبط النفس ، وتجنّب الخصومة مع اللجوج المعاند ، وبهذا الأسلوب الحكيم تتم الحجة على من خالف وعاند ، ولم يبق له من عذر يتشبث به ، ويلجأ اليه .. وأولى الناس باتباع الرسول والسير على منهجه هم أهل العلم بدينه وشريعته ، الداعون الى الأخذ بتعاليمه وسنته.