الْبَيِّناتُ). المراد بالرسول محمد (ص) ، وبالقوم أحبار اليهود والنصارى ، لأن الله سبحانه وصف هؤلاء القوم بأنهم آمنوا به ، وشهدوا له بالرسالة ، ولكنهم بعد ان بعث ، وجاءهم بالبيّنات والدلائل على نبوته أنكروه ، ورفضوا متابعته ، وهذه الأوصاف تنطبق كل الانطباق على أحبار اليهود والنصارى ، لأنهم وجدوا اسم محمد مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، وانهم لذلك آمنوا به قبل مبعثه .. غير انهم لما بعث ، وجاءهم بالبينات كفروا به بغيا وحسدا ، وحرّفوا كل آية تدل عليه تصريحا أو تلويحا.
وتسأل : ان الظاهر من قوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) ان الله سبحانه لا يريد رجوعهم الى الإسلام لو حاولوا التوبة والإنابة. وينبغي على هذا أن لا يستحقوا ذما ولا عقابا؟.
الجواب : ان الله سبحانه يقيم للعبد الدلائل على الحق فإن آمن به كان من المهتدين ، وكانت هدايته من الله ، لأنه أقام له الدلائل على الحق ، وأيضا تكون الهداية من العبد ، لأنه اهتدى باختياره ، فإن ارتد بعد الهداية مكابرة وعنادا فإن الله يدعه وشأنه في هذه الحياة ، ولا ينصب له دلائل جديدة ، حيث لا مزيد ، وأيضا لا يجبره على الهداية ، لأنه لا تكليف مع الجبر والقهر.
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). أي انهم مستحقون لذلك ، ولعنة الله عبارة عن غضبه وسخطه ، ولعنة الملائكة والناس عبارة عن الدعاء عليهم بأن يعذبهم الله ، ويبعدهم عن رحمته. وجاء في نهج البلاغة ان عليا أمير المؤمنين (ع) كان يخطب على منبر الكوفة : فاعترضه الأشعث قائلا : يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك. فقال له أمير المؤمنين : ما يدريك ما عليّ مما لي ، عليك لعنة الله ، ولعنة اللاعنين. قال الشيخ محمد عبده معلقا على ذلك : «كان الأشعث في أصحاب علي كعبد الله بن أبيّ في أصحاب رسول الله (ص) ، كل منهما رأس النفاق في زمنه».
(خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ). ضمير فيها يعود الى جهنم بقرينة قوله : (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ). ولا ينظرون معناه لا يمهلون ، بل يعجل لهم ما يستحقون من العذاب. (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). جاء في الحديث : «التائب من الذنب كمن لا ذنب