الفقه يقف عليها المتدبر. والسر في ذلك ان حجية الأصل في النفي والعدم إنما هو من حيث لزوم قبح تكليف الغافل كما سيتضح لك ان شاء الله تعالى ، وهذا لا يجري في إثبات الحكم به ، ولا دليل سوى ذلك ، فيلزم إثبات حكم بلا دليل.
إذا تقرر ذلك فاعلم ان البراءة الأصلية على قسمين : (أحدهما) ـ انها عبارة عن نفي الوجوب في فعل وجودي الى ان يثبت دليله ، بمعنى ان الأصل عدم الوجوب حتى يثبت دليله. وهذا القسم مما لا خلاف ولا إشكال في صحة الاستدلال به والعمل عليه ، إذ لم يذهب أحد الى أن الأصل الوجوب ، لاستلزام ذلك تكليف ما لا يطاق وللأخبار الدالة على ان «ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» (١). و «الناس في سعة ما لم يعلموا» (٢). و «رفع القلم عن تسعة أشياء ، وعد منها
__________________
الزوجة بنذر وشبهه واشتبهت بالأجنبية ، امتنع الاحتياط بالإتيان بالأفراد المشكوكة ، لتحريم وطء الأجنبية مطلقا معلومة كانت أو مشتبهة. وللزوم الجمع بين النقيضين. وهكذا في كل موضع تردد الفعل بين الوجوب والتحريم ، كما لو وجب قتل شخص قصاصا فاشتبه بمحترم ونحو ذلك ، فإنه لا مجال هنا لأصالة الوجوب ولا للاحتياط ، ويفهم من بعض الاخبار ـ كما ذكرنا في المقدمة الرابعة ـ ان الاحتياط هنا بالترك (منه رحمهالله).
(١) المروي في الوسائل عن التوحيد والكافي في باب ـ ١٢ ـ من أبواب صفات القاضي وما يقضى به من كتاب القضاء. ولكن رواية الكافي ليس فيها كلمة (علمه).
(٢) الشهاب في الحكم والآداب ص ٧ (في الألف الموصول والمقطوع) للقاضي محمد بن سلامة والذي وقفنا عليه مما يوافقه في المعنى من كتبنا ـ هي رواية السفرة المروية في الكافي في باب ٤٨ ـ من كتاب الأطعمة وفي الوسائل في باب ٢٣ ـ من كتاب اللقطة. وإليك نص الرواية كما في الكافي :
«علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن ابى عبد الله (عليهالسلام) ان أمير المؤمنين (عليهالسلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وبيضها وجبنها ، وفيها سكين. فقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : يقوم ما فيها ثم يؤكل ، لانه يفسد وليس له بقاء ، فان جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال : هم في سعة حتى يعلموا».