وأشهر من أن يتعرض لنقلها (١) بل ربما كان ذلك من ضروريات المذهب. وفي هذه القاعدة تفصيل حسن سيأتي الكلام عليه ان شاء الله تعالى في أحكام الوضوء.
ومنها ـ العمل بالبراءة الأصلية في الأحكام التي تعم بها البلوى كما تقدمت الإشارة الى ذلك (٢).
والوجه فيه ما ذكره بعض مشايخنا المحدثين من ان المحدث الماهر ـ إذا تتبع الأخبار الواردة حق التتبع في مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل لاشتهر لعموم البلوى بها ، ولم يظفر بذلك الحكم ـ يحصل له الجزم أو الظن المتاخم للعلم بعدم الحكم ، لان جما غفيرا من أصحابهم (عليهمالسلام) ـ ومنهم : الأربعة آلاف رجل الذين من أصحاب الصادق (عليهالسلام) وتلامذته ـ كانوا ملازمين لهم في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة ، وكان همتهم وهمة الأئمة (عليهمالسلام) إظهار الدين وترويج الشريعة ، وكانوا لحرصهم على ذلك يكتبون كل ما يسمعونه خوفا من عروض النسيان له ، وكان الأئمة (عليهمالسلام) يحثونهم على ذلك ، وليس الغرض منه إلا العمل به بعدهم. ففي مثل ذلك يجوز التمسك بالبراءة الأصلية ، إذ لو كان ثمة دليل ـ والحال كذلك ـ لظهر.
وما اعترض به بعض متأخري المتأخرين ـ من ان ذلك لا يخلو من نوع اشكال لتطرق الضياع والتلف إلى جملة من الأصول ـ فالظاهر سقوطه ، لان الظاهر ان التلف إنما عرض لتلك الأصول أخيرا بالاستغناء عنها بهذه الكتب المتداولة ، لكونها أحسن منها ترتيبا وأظهر تبويبا ، وإلا فقد بقي من تلك الأصول إلى عصر السيد رضي الدين ابن طاوس (رضياللهعنه) جملة وافرة ، وقد نقل منها في مصنفاته كما نبه عليه ، وكذا
__________________
(١) رواها صاحب الوسائل في باب ـ ٢٤ و ٢٥ ـ من أبواب الأمر والنهى من كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وما يلحق به.
(٢) في الصحيفة ٤٦ السطر ٤.